تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حكاية الفيلسوف والنملة

محطة
الأثنين 9-2-2009م
د. خلف الجراد

في كتابه الشائق «خطوات بسيطة: تسعة أشياء يمكن أن تفعلها لتعيش حياة رائعة» يروي الدكتور آرثر كالياندرو قصة شخصية واقعية ذات دلالات فلسفية ونفسية وتربوية كبيرة.

ونظراً لإعجابي الشديد بالحكاية ومغزاها أسمح لنفسي بإعادة سردها في زاويتي الأخيرة هذه، مفترضاً أن قسماً من القرّاء الأكارم لم تتح له فرصة الاطلاع على ذلك الكتاب القيّم وما تضمنه من نصائح ودروس وحِكَم، وطرق مبتكرة لحياة أكثر حيوية وسعادة ونجاحاً.‏

فقد كان آرثر كالياندرو مخيّماً بجوار بحيرة «ليه»، التي تقع في أجمل مناطق «ويومنج» الأميركية، حيث تظهر قمم جبال موران وسانت جون المغطاة بالثلوج. وكان انتباهه موجهاً نحو تلك القمم المرتفعة الساحرة، لكنه وجد فجأة مصدراً آخر للإلهام، متمثلاً بنملة سوداء وحيدة قرب قدميه، فيصف حكايته اللطيفة معها كالتالي:‏

«كانت هذه الحشرة الصغيرة تسير أمام قدمي، وأرجلها الصغيرة تتحرك تباعاً في ايقاع سهل سريع. ولقد أدركت حينها أنني لم أشهد نملة مطلقاً قبل هذه اللحظة، ولكنني تذكرت على الفور الصفات التي تشتهر بها النملة من الحكمة وسعة الحيلة.‏

لقد اعتقدت أنه سيكون من الممتع اختبار سعة الحيلة لدى هذا المخلوق الصغير، لذا فقد صنعت تلاً من الرمال في طريق هذه النملة لأرى كيف ستتمكن من اجتيازه. وأظن أنه كان بمثابة جبل بالنسبة لهذه النملة. إلا أنها استمرت في السير وتسلّق هذا التل دون توقف، حتى بلغت الذروة وهبطت من الناحية الأخرى.‏

بعد ذلك، قمت بعمل حفرة صغيرة لتشكل وادياً في مسارها، فاستمرت في سيرها داخل هذه الحفرة ثم خرجت منها دون أن تتوقف. ثم وضعتُ حجراً معقول الحجم في مسارها، فحاولتْ أن تتسلق الصخرة وجاهَدَتْ حتى وقَعَتْ. وبدا أنها تعيد تقييم الموقف ثم دارت حول الصخرة.‏

وفي النهاية، جربت معها عائقاً أخيراً، فقمت بوضع عصا أمامها، فكافحت هذه النملة للتغلب أيضاً على هذه المشكلة الطارئة حتى وجدت طريقها لتخطي هذه العقبة عن طريق تغيير اتجاهها والبحث عن طريق بديل.‏

لقد اجتازت هذه النملة اختبارات صعبة، لكنها خلالها جميعاً استمرت في التقدم، ولم تتوقف في أي لحظة ولو لثانية. وعلى قدر ما أذكر لم تغير ما كانت تقوم به على الإطلاق، ألا وهو التصميم على التقدم للأمام والبحث عن طرق جديدة لمواجهة العقبات المستجدة. يا لها من قوة دافعة! وأعتقد أيضاً أنها لم تشكُ أو تتذمر.. كما أنها لم ترجع إلى مستعمرة النمل لتطرح عليها المشكلة وتعود مع لجنة من زميلاتها لدراسة هذه العقبة».‏

ويتساءل الكاتب قائلاً: أليس من المثير للعجب أن أتعلّم هذا الدرس ليس من المرتفعات ولكن من مكان قريب جداً من الأرض عند أطراف قدمي؟ ولكنه كان بالنسبة إليّ عرضاً حياً لرسالة مهمة للغاية. وهي أننا يجب ألا نتوقف عند كل عقبة تضعها الحياة (أو المغرضون من الناس) في طريقنا.‏

نعم، قد نحتاج إلى التوقف لبرهة ونفكر في الخيارات المتاحة ونضع الخطط، ولكنّ النجاح يعتمد في الأساس على قدرتنا على الاحتفاظ بقوتنا الدافعة الطبيعية الرائعة، ويمكننا أن نرفض التوقف مثلما فعلت هذه النملة الصغيرة.. نستطيع أن نستمر في المضيّ قدماً وأن نتعلم في أثناء ذلك.‏

kh-aljarad@hotmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية