تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عندما تضيع الهوية

مجتمع
الاثنين 14-8-2017
فاطمة حسين

عندما رأيناها برفقة ولديها لم يبلغ اكبرهم الحادية عشرة من العمر وهي تحمل في يدها ظرفا مليئا بالأوراق , وقد التفتت إلينا وهي تقول انها تعذبت كثيرا في الحصول على اوراق تثبت هويتها وهوية اولادها ,

من اجل تسجيل اولادها في المدرسة فهي كما العشرات من سكان محافظة دير الزور عانت الامرين قبل ان ترحل باتجاه دمشق حيث سبقها اهلها بأكثر من سنتين , فهي تنقلت بين عدة قرى هربا من الارهاب والقصف فكانت النهاية في احدى مناطق ريف دمشق .‏

ليست هي الوحيدة فالآلاف من الأسر المهجرة قد تركت كل شيء باتجاه هدف وحيد وضعته نصب عينيها .. الاستقرار والسلام تركت وراءها بيوتها ومكان أمنها وأمانها وذكرياتها ,بعضهم خرج غير عابئ بشيء في ليلة ظلماء لم تتح لها تلك الوحوش الضارية فرصة لأخذ اوراقها الثبوتية ..الهامة والضرروية , والتي تحتاجها في الاماكن التي ستقيم فيها لاحقا وهي كثيرة وتحتاجها بشدة من مدرسة او زواج او تسجيل في الجامعة وغيرها من المسائل التي تتطلب إثبات هوية .‏

هي تداعيات الارهاب الخطيرة التي خلقت كثافة سكانية واكتظاظاً كبيراً في تلك المدن , انعكس سلبا على مستوى معيشة هذه المناطق , فعم الغلاء بدءا من بيت الاجرة الى الطعام واللباس ووسائل النقل , رغم بعض الايجابية التي خلقتها الأزمة من ناحية تشابه اندماج آلام الناس وتعاونهم ومؤازرة بعضهم من مختلف الاطياف والانتماءات في بوتقة ولا أجمل , فكانت كتلة منسجمة متعاونة فلمسة الحنان التي يتمتع بها السوري لم تزل ترافقه في كل الازمات والمصاعب فكان السوري رفيقا بأخيه السوري يربت على كتفه ويمسك بيده من اجل الوصول الى بر الامان بعيدا عن الانانية التي تجتاح البعض وهذا نلمسه بشكل يومي سواء في الاماكن العامة أوالدوائر الرسمية المعنية .‏

ربما هو موضوع متداول بكثرة في هذه الأزمة التي تمر بسورية .. ولكن الذي رأيناه في مبنى السجل المدني ,ذلك المبنى القديم التاريخي والمتهالك بعض الشيء لقدمه والذي يفتقد كل ظروف العمل الجيدة التي من المفترض ان تتوافر لكي يؤدي الموظف عمله على أكمل وجه , يجبرك على رفع الصوت عاليا لتغيير هذا المكان, فقد كان اليوم حارا جدا لدرجة الاختناق,يزيد عليه ضيق المكان الذي ازدحم بالناس من كل المحافظات السورية كافة باحثة عن هويتها , لتكمل حياتها التي اجبرها عليها الارهاب ,فبدت الأرتال طويلة من النسوة والرجال تقف على الكوة المخصصة لها من اجل الحصول على إخراج قيد لاستكمال باقي الاوراق التي تريدها , ومن حين لآخر تعلو الاصوات من اجل الدور , ولسوء حظنا ان الشبكة التي هي أساس العمل , في ذلك اليوم قد توقفت ودام توقفها اكثر من ساعتين , وهذا زاد من حدة التوتر التي سادت بين الناس , في حين ان الموظف المسؤول ليس احسن حالا من المراجعين فليس أمامه في هذا الجو المشحون سوى الصبر , الصبر حتى تعاود الشبكة عملها من جديد , وليقف الجميع في الدور من جديد , ويستمر العمل بشكله الاعتيادي .‏

فكل التحية والاحترام الى موظف السجل المدني الجبار , الذين يقضي اكثر وقته في الوظيفة حيث يتجاوز الست ساعات عمل بشكل يومي وفي كل المناخات والفصول ,ووسط هذه الظروف القاسية لابد من النظر في وضع هذا الموظف وتحسين واقع ومكان عمله حتى يستطيع ان يعطي أكثر , وينجز أعمال المواطنين بيسر وسهولة ..‏

فنحن بحاجة الى الدعم من المعنيين , في ظل حرب همجية اتت تداعياتها على كل ما حولنا , لتحول الحياة الى معادلة معقدة يصعب حلها بالنسبة الينا نحن المواطنين العاديين .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية