تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الشباب.. صحون لاقطة لترددات التغيير

ثقافة
الاثنين 14-8-2017
سوزان إبراهيم

لتعمل على إضافة جديد على واقع قائم مستقر, لابد من خلق فراغ ما ليكون مساحة حرة يشغلها هذا الجديد, كما يفعل حرفي ماهر يقوم بتنزيل قطع الفضة أو الصدف أو الزجاج الملون (تطعيم) على قطعة أثاث خشبية جميلة, إنه يحفر لها مكاناً على مقاسها,

وهكذا يحفر أصحاب الإرادة في إحداث تغيير ما في المجتمع, مساحة في اللوحة الاجتماعية المستقرة (لتنزيل) عناصر جديدة عليها.‏‏‏

‏‏

قد يكون من السهل الحفر في قطع الخشب أو غيره, لإضافة عناصر جديدة عليها, لكن الأمر يبدو صعباً جداً في حياة وواقع المجتمع, وهذا ما يدفع مريدو التغيير (سلباً أو إيجاباً حسب وجهة نظر أصحابه ودارسيه أو منتقديه) إلى خلخلة المستقر, كما تفعل حركة الصفيحات التكتونية للأرض, ما يؤدي إلى إحداث زلزال أو هزة أرضية تخلق تغييراً ومعطيات جديدة.‏‏‏

تبقى شريحة الشباب هي المقصد الأول والرئيسي لاهتمامات أصحاب النظريات والفلسفات, والراغبين في استنبات أو زراعة ثقافة جديدة. شريحة الشباب في أي مجتمع هي محرك الفعل والتغيير, إنها الطاقة الكامنة التي يؤتي تفجيرها ثماره بشكل أسرع وأسهل.‏‏‏

عبر التاريخ كانت فئة الشباب محور اهتمام القادة, وسادة الأحزاب. فئة الشباب تتساوى وقدرة استقبالها مع فئة الفقراء, الشباب بسبب عدم اكتمال النضج ووجود فراغات كثيرة في البناء الثقافي لديهم, والفقراء لأنهم ينتظرون مخلّصاً ورافعاً لميزان العدل.‏‏‏

تشبه فئة الشباب الصحون اللاقطة المنتشرة على أسطحة المنازل, والقادرة على التقاط كل بث ضمن حقل استقبالها, وسيعمل أصحاب النظريات والعقائد على تركيز وتكثيف المحتوى على موجات البث, لضمان سرعة التأثير. الشباب هم كتلة مغناطيسية قوية الجذب, وهي ميزة لابد من استثمارها بأحسن الطرق.‏‏‏

في مجتمع فتيّ كمجتمعنا, حيث الشباب هم الفئة الأكبر عدداً, يمكن لمن يملك إرادة بناء مجتمع جديد أن يدير دفة هذه الشريحة العمرية بمهارة وذكاء, لترسيخ ثقافة مجتمعية وتكريس عادات جديدة عبر برامج مدروسة بعناية تعمل على تثمير هذه الطاقات الشابة, والحرص على عدم هدرها في مسارب جانبية معظمها يشكّل خطراً على المجتمع.‏‏‏

اليوم وبعد كل ما عانيناه في حرب شرسة ولئيمة, وبعد وجود شروخ ليست سهلة أبداً, لابد لصنّاع القرار من العمل على تقديم مشروع متكامل: سياسي واقتصادي وثقافي يكون الشباب في نقطة المركز من كل اهتماماته ونتائجه المرجوة.‏‏‏

نحتاج برامج عمل يُعدّها باحثون متخصصون, برامج واعية مقصودة لا مجال فيها للتكهنات والتوقعات الفلكية.. الهدف الرئيس منها هو نشر ثقافة التنوير وهذه لا تُبنى دون مراجعة حقيقية للذات, دون نشر مراكز للتنوير.. دون انتشار أفقي وشاقولي للفنون بكل تنويعاتها وطيوفها, ومثل هذا الأمر يتطلب رصد ميزانية ضخمة قد تفوق ميزانية أي وزارة هامة أخرى, لأن بناء وعي الشباب وتوجيههم نحو المستقبل هو الضامن الحقيقي والفعلي لنهوض المجتمع من كبوته بعد سنوات حرب عجاف.‏‏‏

لماذا نفتقد وجود مراكز بحث ورصد!.. مراكز استطلاع رأي!.. فإن كان ثمة ما هو موجود منها أين نتائج الدراسات والأبحاث؟‏‏‏

لم يعد الوقت يسمح بالنظريات.. فقد دقّت ساعة العمل!‏‏‏

المرحلة القادمة لا تتحمل عملاً ارتجالياً لا يرتكز على أسس بحثية تعرف قوة البنيان الذي سيقام. الشباب محرك الفعل في المجتمع والطاقة الاجتماعية (النووية) ومن المهم أن تعمل هذه القوة الدافعة على رفع سوية المجتمع, ويكون هذا بإعادة جذرية في المناهج الدراسية والبحثية في كل مراحل الدراسة وخاصة ما يتعلق منها بالعقائد والتاريخ!‏‏‏

suzan_ib@yahoo.com ‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية