تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الرئاسة الأميركية وآليات العزل

إضاءات
الأثنين 14-8-2017
د.خلف علي المفتاح

يجري الحديث في واشنطن العاصمة الفيدرالية الأميركية وبعض الأوساط السياسية والإعلامية العالمية عن إمكانية أو احتمال عزل أو استقالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب

وذلك على خلفية ما يجري من سجالات في واشنطن وغيرها من عواصم عالمية حول تدخل روسي مزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية إضافة إلى الأسلوب الذي ينتهجه ترامب في إدارة بلاده في أسلوب لم تعتده الإدارات الأميركية السابقة وتقاليد الحكم في أكبر دول العالم من الناحيتين العسكرية والاقتصادية والنفوذ السياسي.‏

وعند الحديث عن العزل أو غيره لابد من العودة للمرجع في ذلك وهو الدستور الأميركي، وهو المقر منذ حوالي مئتين وثلاثين عاماً وأجريت عليه تعديلات كثيرة شملت مواده السبع، إذ يشير إلى أن عزل الرئيس أو محاكمته أو إقالته تخضع لآليات واضحة وتنحصر أسبابها في ارتكابه الخيانة العظمى أو الرشوة وسوء الإدارة والسلوك، ولا شك أن إجراءات العزل تمر بمراحل متعددة وآليات دقيقة تبدأ من مجلس النواب الأميركي الذي يبلغ عدد أعضائه ٤٣٨ عضواً، حيث يحتاج قرار العزل إلى موافقة الأكثرية النسبية أي النصف زائداً واحداً، وإذا حصل ذلك الإجراء فإن قرار مجلس النواب يرفع توصية لمجلس الشيوخ المكون من ١٠٠ عضو وفي هذه الحالة يحتاج قرار العزل والمحاكمة إلى موافقة ثلثي أعضاء المجلس أي ٦٧ عضواً، وبالنظر إلى تشكيل الكونغرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ يلاحظ سيطرة الحزب الجمهوري - أي حزب الرئيس ترامب على الأغلبية في المجلسين، ما يعني من الناحية النظرية والحزبية استحالة ذلك ولاسيما أن أغلبية استطلاعات الرأي العام في أميركا تشير إلى استمرار تأييد أغلبية الأميركيين له بنسبة تزيد على ٥٤ بالمئة.‏

إن أغلب الانتقادات الموجهة للرئيس ترامب تتعلق بالتدخل المزعوم لروسيا في الانتخابات الأميركية وهو ما نفاه ترامب وفريق حملته الانتخابية إلى جانب الحديث عن اتباعه أسلوباً شخصياً في قيادة البلاد بعيداً عن المستشارين والاعتماد على زوج ابنته في عقد صفقات وغيرها وعدم استقرار الجهاز التنفيذي في الإدارة الأميركية بدليل كثرة الاستقالات والتعيينات التي أصبحت حديث الصحافة والإعلام الأميركي الذي لا تربكه علاقة جيدة مع ساكن البيت الأبيض القادم من عالم المال والاقتصاد وليس من بوابات الأحزاب التقليدية ومراكز البحوث والدراسات.‏

إن الأسباب المشار إليها لا ترتقي إلى مستوى المخالفات التي ينص عليها الدستور الأميركي والمشار إليها آنفاً علماً أن تاريخ الرئاسة الأميركية لا يشير إلى حالات عزل أو استقالة كثيرة، حيث لم تزد على ثلاث حالات كان آخرها استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون في آب عام ١٩٧٤ على خلفية فضيحة ووتر غيت والتجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام ١٩٧٢.‏

إن البعض يعزو الحملة على الرئيس ترامب إلى سلوكه الشخصي وعدم اكتراثه بالصحافة والإعلام ومهاجمته لها واتهامها بالوقوف إلى جانب مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون وتشكيل انطباع للراي العام بفوزها بفارق كبير على ترامب ما أثر - من وجهة نظر ترامب - في أصوات الناخبين في غير صالحه وخلق كل البلبلة التي أعقبت نجاحه وفوزه في الانتخابات، والأكثر من ذلك معارضة الصحافة لبرنامجه الداخلي وسياساته سواء على صعيد الهجرة أم التصدير والاستيراد والتجارة الحرة مع طول العالم ولاسيما الصين الشعبية.‏

وإلى جانب ما تمت الإشارة إليه تمثل العلاقة المتوترة مع أوروبا ودول أميركا الجنوبية والمواجهة الحاصلة مع كوريا الديمقراطية واستهداف إيران عوامل إضافية تزيد من الحملة الداخلية على ترامب في سياق دولي موازٍ وضاغط على إدارته التي تبدو مرتبكة ومحدودة الخيارات جراء ما يواجهها من تحديات داخلية وخارجية تبدو مفتوحة ومتعددة الاحتمالات، وإن كان من المستبعد جداً خيار العزل وفق الدستور الأميركي النافذ.‏

khalaf.almuftah@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية