|
شؤون سياسية إن الأمر يبدأ بتشخيص الداء بشكل صحيح ودقيق لنصل إلى المعالجة الفعالة.وبطبيعة الحال فإن دروس التاريخ تعلمنا الكثير، فقد مرت وتمر أمم وشعوب كثيرة بحالات من الضعف والانهيار يتبعها دور النهضة والقوة، لكن المهم عدم فقدان البوصلة الهادية للطريق المؤدية إلى النجاح. وتبدأ قصة التخلف والضعف والانقسام العربي في العصر الحديث منذ قيام الاستعمار الأوروبي بحملاته الشهيرة لاحتلال وتقاسم الأرض العربية ونهب ثرواتها، فأصبح القرار خارج المنطقة وهو يأتي من الغرب تحديداً. فقد جرى احتلال مصر من قبل الفرنسيين أولاً ثم الانكليز ثانياً، وكذلك جرى احتلال دول المغرب العربي، أما بلاد الشام فجرى تقسيمها واحتلالها ومن ثم تقاسمها بين فرنسا وبريطانيا، ولم تنج أرض عربية من الاحتلال الغربي. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية جرى اغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة المتحالفين مع الغرب الاستعماري، وهكذا بدأت مأساة العرب الكبرى بضياع فلسطين ومحاولة فصلها نهائياً عن جسد الأمة العربية. وبقيام دولة الإرهاب الصهيوني إسرائيل توالت حروبها العدوانية ضد العرب، وقد استطاعت دول مثل مصر وسورية عندما تعاونتا وضمتا إمكانياتهما من لجم العدوان الصهيوني في حرب تشرين عام 1973، كما استطاعت المقاومة العربية بأطيافها كافة من ردع المعتدين الصهاينة رغم عدم تكافؤ موازين القوة التي تميل عسكرياً واقتصادياً لصالح المعتدين الصهاينة المدعومين حتى الأنياب بآلة الحرب الأميركية الغربية، وقد باءت محاولات بعض العرب بالفشل الذريع عندما اختاروا طريق التسويات وعقد المعاهدات المنفردة، فلم يحصلوا حقاً ولم يحققوا استقراراً أو أمناً أو تنمية وتقدماً لبلدانهم. واليوم فإن اللوحة أمامنا وهي أكثر من واضحة، إسرائيل تواصل اعتداءاتها البربرية وتواصل احتلالها وتستقدم المستوطنين، وتقتل أبناء الشعب الفلسطيني وتسعى لتشريد من تبقى منهم متشبثاً بأرضه، وعلى الجانب الآخر نجد أن العرب يدورون في حلقة مفرغة فهم يستجدون التسويات من المعتدين أنفسهم ويخفون رؤوسهم في الرمال كي لا يروا الحقائق على الأرض وهي مفجعة بطبيعة الحال بل بلغ الأمر ببعضهم إلى استبدال العدو الحقيقي بعدو مزيف من صنع خيالهم القاصر في محاولة للهروب من الحقيقة الصادمة. فهل يعقل أن الطرق لبناء تضامن عربي فعال قد سدّت وهل التخلف والانقسام قدر لا يمكن تجاوزه. إن النظرة الموضوعية المتفحصة تتطلب أن نتابع حركة الشعوب العربية التي تعرف البوصلة واتجاهها تماماً .و قد خرجت الملايين منها إلى الشوارع العربية هاتفة بغضب ضد العدوان الإسرائيلي البربري على غزة وطالبت وتطالب بموقف عربي مناهض للعدوان والمعتدين. الحل إذاً يبدأ من معرفة ما يريده الشارع العربي وهو بالتأكيد يرفض الذل والخنوع وهو يطالب بالالتفاف حول المقاومة وهو يرى ونظرته محقة أن الطريق طويلة لتحقيق أهداف العرب في التضامن والوحدة والتقدم والازدهار، لكنها تبدأ بخطوة، فالنهضة العربية لها مقومات وقد تحدث عنها مفكرو العرب الأوائل في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وهي بالمحصلة تدعو إلى نهضة عربية شاملة، أساسها الاعتماد على الذات والوحدة وإعطاء الشعوب العربية الحرية والثقة بنفسها من خلال الارتكاز على طاقاتها الكبيرة وإطلاق إمكانياتها اللامحدودة، ومثل هذا التوجه حققته دولة مجاورة وصديقة هي إيران، فقبل أيام قليلة استطاعت وفي الذكرى الثلاثين لقيام ثورتها أن تطلق قمراً صناعياً إلى الفضاء بتقنيات محلية وامكانيات بشرية محلية أيضاً وهكذا فإن هذه الدولة والتي كانت حتى الأمس القريب أي قبل أكثر من ثلاثين عاماً في زمن الشاه بؤرة للفساد والتخلف وشرطياً لحراسة المصالح الأميركية والغربية، هذه الدولة تحولت بفضل جهود أبنائها إلى بلد يقارع الاستراتيجيات الغربية التي تريد السيطرة ونهب ثروات المنطقة وإلى بلد يدعم قضايا العرب الكبرى وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. لقد وعت المقاومة الفلسطينية والعربية الدرس فانتصرت مرتين على إرهابي تل أبيب مرة، في تصديها للعدوان على لبنان عام 2006 ومرة أخرى في غزة عام 2009 فهل يعي زعماء العرب الدرس؟ وهل يشكل انتصار غزة بوصلة لنا كي نلتف حوله ونحميه ونقتدي به؟!. |
|