تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


باريس تتدخل عسكرياً .. والمحللون: تورطت بمستنقع أفغاني آخر!!

قاعدة الحدث
الخميس 24-1-2013
إعداد: سائد الراشد

التدخل العسكري الفرنسي جاء خطوة غير محسوبة ومغامرة سياسية، أعاد التاريخ إلى الوراء حينما كانت أزواد مستعمرة فرنسية قبل أن تنضم إلى دولة مالي وفرنسا ورثت النظام المالي لمنطقة أزواد وكانت هناك ثلاث إمارات عربية وأربع إمارات فرنسية،

‏‏

وفرنسا حالياً تحن إلى إعادة نفوذها في المنطقة وهذا يضر بمصالح الشعب المالي ويضر بالمصالح الفرنسية في المنطقة‏‏

اجتمع مجلس الأمن في 10 كانون الثاني للمطالبة بانتشار سريع للقوة الدولية لمواجهة التدهور الخطير للوضع على الأرض، ولصد تقدم المجموعات المسلحة، تنفيذاً للقرار (2085) الذي سبق أن اتخذه المجلس في 20 كانون الأول 2012 لمساعدة القوات الحكومية على بسط سيطرتها على عموم البلاد، وعلى الرغم من أن القرار لم ينص على مشاركة القوات البرية للاتحاد الأوروبي مباشرة في العمليات، وعلى الجيوش تأمين الدعم اللوجستي لجيش مالي والحلفاء الأفارقة وتدريب قوات الأمن الحكومية، لكن فرنسا لم تنتظر طويلاً بعد نجاح العناصر الإسلامية المسلحة في السيطرة الكاملة على بلدة «كونا» وسط البلاد بعد معارك مع القوات النظامية استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، لتتخذ قراراً سريعاً بالتدخل العسكري «لمساعدة القوات المالية»، لقد أعلنت السلطات المالية مساء الجمعة 11 كانون الثاني 2013 فرض حالة الطوارئ بالمناطق الخاضعة لسيطرة القوات العسكرية والأمنية المالية، وفق بيان للحكومة، وبدأت القوات الفرنسية في نفس اليوم تدخلاً عسكرياً في مالي، هدفه دعم حكومة باماكو، بحسب تقارير صحفية فرنسية، وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إن قوات بلاده «بدأت فعلاً تدخلها في مالي بطلب من الحكومة المالية».‏‏

التدخل الفرنسي في مالي يقوم على ثلاثة محاور، أولها: الضربات الجوية التي تستهدف قوافل سيارات الدفع الرباعي المسلحة ومراكز تجمعها، وثانيها: تعزيز وحدات القوات الفرنسية الخاصة التي نقلت إلى المعارك في مالي من قواعد تمركزها في بوركينافاسو المجاورة، أما المحور الثالث: فيقوم على تعزيز القوة الفرنسية المرابطة في العاصمة «باماكو» بعناصر إضافية من الوحدات الفرنسية المرابطة في الدول الإفريقية المجاورة، وخصوصاً من ساحل العاج وتشاد، وتعتمد باريس على أسطول جوي مكون من 12 طائرة مرابطة في تشاد بينها خمس طائرات «ميراج» للقيام بالضربات الجوية على مراكز تجمع المسلحين، بينما وضعت قيد التأهب في فرنسا ذاتها مجموعة من طائرات «رافال»، وهي أحدث ما يملكه الجيش الفرنسي.‏‏

حيث أكدت باريس استعدادها لخوض حملة عسكرية طويلة الأمد في مستعمرتها السابقة «مالي» وبعد أربعة أيام من بدء التدخل قررت رفع حجم قواتها المسلحة لتصل إلى 2500 فرد، ويأتي قرارها بعد الهجوم الجوي لقواتها المسلحة، ودخلت طوابير من حاملات الجند الفرنسية والمالية المدرعة بلدتي ديابالي ودوينتزا بوسط مالي وهذا التقدم اعتبرته باريس نجاح في حملتها لطرد المقاتلين الإسلاميين من صحراء مالي الواسعة، ثم نشرت فرنسا 2000 جندي من القوات البرية وقصفت طائراتها الحربية قوافل المتمردين وقواعدهم في مالي لليوم الحادي عشر على التوالي، وأكدت فرنسا أن طائرات فرنسية من طراز رافال وميراج قصفت معسكرات للإسلاميين وقواعد للإمداد والتموين حول بلدة تمبكتو القديمة ومدينة جاو أكبر المدن في الشمال.‏‏

تهديد الجماعات الإسلامية المقاتلة في شمال مالي باجتياح ما تبقى من البلاد أثار قلقاً إقليمياً ودولياً، ما حدا بالعديد من العواصم الإفريقية والغربية إلى إبداء استعدادها للمشاركة في التدخل العسكري الحربي الذي تقوده فرنسا، فقد تعهد القادة العسكريون لدول غرب إفريقيا اثر اجتماع لهم في باماكو – بينها نيجيريا والسنغال وبوركينا فاسو وساحل العاج - بإرسال قوات برية يبلغ قوامها 3300 رجل ونشرها في مالي، وفي الجزائر أغلقت السلطات حدود البلاد مع مالي، وسمحت للطائرات الحربية الفرنسية بعبور أجوائها، كما أعاد الجيش الموريتاني انتشاره على طول حدوده مع مالي.‏‏

هذا التدخل كان له تداعياته الكارثية، فقد أزهقت حياة أكثر من مئة وأربعين قتيلاً من المدنيين ومئات الجرحى، وتعتبر عملية احتجاز الرهائن في موقع عين أميناس بالجزائر أولى تداعيات التدخل العسكري الفرنسي في مالي، ولعل أبرز ما سيحمله التدخل هو أثره المتوقع على منطقة الساحل الأفريقي التي شكلت ولسنوات بؤرة توتر أمني ومركز استقطاب لمختلف التيارات الإسلامية العنيفة من تنظيم القاعدة وما يحوم حوله من جماعات مسلحة مختلفة ومتنوعة، وسيكون خلخلة لتوازن هش ساهمت الحسابات السياسية لعدد من دول المنطقة وخلافاتها في استمراره مع ما يوفره ذلك من استقواء للمجموعات المسلحة، كما دفع المجموعات المسلحة إلى الاستفادة من مختلف الدعوات التي ارتفعت هنا وهناك لتعبئة ما يسمون بـ «الجهاديين الرحل» الذين تقدرهم الإحصائيات بحوالي 6000 مقاتل مسلح مدرب من دول المغرب الكبير ومن أوروبا مستعدون للتنقل بين مناطق التوتر في أفريقيا وخارجها، فتطورات الوضع في المنطقة مؤهلة لبناء أفغانستان في مالي، وسيكون له بالضرورة تداعيات أمنية وجيوسياسية عميقة على منطقة الساحل والصحراء، من أبرزها اختراق الجماعات الإسلامية للحدود وتنفيذ عمليات عسكرية في العمق الجزائري بل وفي فضاء استراتيجي كـ «عين أميناس».‏‏

وعلى ذلك فإن هذا التداعيات لا يمكن حصرها داخل مالي فقط، بالنظر إلى محيطها الجغرافي وحدودها المترامية مع عدة دول أبرزها الجزائر وموريتانيا، وما قد يؤدي إليه تصاعد الاشتباكات من انعكاسات سياسية وأمنية وإنسانية على هذه الدول، لا تتعلق فقط بمخاطر التعرض للهجمات الانتقامية، ولكنها تتعلق أيضا بتدفق آلاف اللاجئين إليها هرباً من القتل والقصف، وقد أوضح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير صدر في منتصف كانون الثاني أن عدد اللاجئين الذين اضطروا إلى مغادرة مالي بسبب النزاع فيها يقترب من 150 ألف شخص في الدول المجاورة، وأن عدد النازحين داخل البلاد يناهز 230 ألفاً.‏‏

استمر توافد القوة العسكرية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إيكواس إلى مالي بشكل تدريجي لدعم القوات الفرنسية والمالية في قتال المتمردين الإسلاميين، في حين تواصلت جهود الدعم الأميركي والأوروبي حيث أعلن مسؤولون أميركيون أن الولايات المتحدة ستقوم بدعم الجسر الجوي إلى مالي لمساعدتها في نقل الجنود ومعداتهم وذلك في توسيع محدود للدعم الأميركي في المعركة الفرنسية، كما أعلنت واشنطن تقديم معلومات استخباراتية للجانب الفرنسي عن تحركات الجماعات المقاتلة في الصحراء، وما ترصده الطائرات الأميركية دون طيار، وأيضًا أرسلت وزارة الدفاع البريطانية طائرة الشحن الحربية «سي- 17» لنقل الجنود والعتاد من فرنسا، وألمانيا وإسبانيا مع بلجيكا وإيطاليا أعلنت عدم مشاركة قواتها في العمليات، ولكنها تعتزم دعم التدخل العسكري الفرنسي والإفريقي في مالي بطائرات نقل عسكرية.‏‏

لكن خلفيات التدخل الفرنسي لا يمكن اختزالها في الخطر الإرهابي فقط، وإنما تقف وراءها أيضاً مصالح اقتصادية، إذ تمثل مالي وشمال غرب إفريقيا على نحو عام مورداً مهمّاً لليورانيوم والنفط والغاز والذهب واللؤلؤ والكوبالت، وكل ذلك يعطي الانطباع بأن العملية الفرنسية في مالي سيصاحبها على الأغلب وقوع خسائر بشرية كبيرة، على عكس الحال في العملية التي سبق ونفذتها في ليبيا، والتي لم تحظ مع ذلك بدعم شعبي.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية