|
آراء وفي الجهة الغربية تسير بمحاذاة خصوره وزناره الأخضر الينابيع والعديد من الجداول المجتهدة في تحصيل الجريان ومحفوظات العشب ومذاكرات الصفصاف والضفاف (الدلوعة) كموسيقا ديك يوقظ في الصباح الصباح ويؤلف كرمى لليقظة أو النعاس (دلعونا) الصياح. حيث جهة الشمال التلال وأهازيج الجبال ومناديل البهاء والجمال.. وترقص أشواق وبلدات ومدينة عشق وتواريخ مشتاقين مروا على عرائش الكون ويمرون بكل سخاء وبكامل العطاء.. ولا يبخلون على الأحباب بالشوق المعتق بدنان الرجاء وأنخاب السماء. جنوب البستان وعر ومتمرس بالأعالي، والسهول تصعد إلى القمم كما تصعد غيمة إلى غابة.. وتهبط الأغنيات وتسافر باتجاه مزامير النواطير والمروج والأمداء الرحبة. لا يتهيب أن يقف بكل اعتزاز ومهابة وهو يصافح شجرات الحقول والبساتين الصديقة والعريقة والمجاورة والبعيدة. في ملامح صوته تحديات وحنان وسياسة معبرة ومطالعات أمان.. يسقي أعراس المزروعات والحقل الصغير والحقل الكبير والمتوسط، و(الحاكورة) العليا و(الحاكورة) المنبسطة وسائر الحواكير بكل ذكاء وأريحية.. ويحسب الحسابات الصحيحة لمواعيد العطش قبل مواعيد السقي. لابد أن تفكر كل شجرة بعطشها قبل شربها، وبيئسها قبل أملها، وبالثمار الحامضة قبل الحلوة. أشجار الجوز التي تسور الممر الخلفي للحديقة الأمامية لابد لها من صحوة خضراء في مواجهة الذباب ومواعيد حقد المرضى بداء اللف والدوران والخديعة وأنواع المكر الأسود. العديد من البساتين الموجعة بضيقها وصغرها وانكماش نسماتها ورياحها ومطالع فصولها تضخمت وانتفخت بالغيوم الخلبية وبأطنان الأكاذيب والبروق المدعية. ومن كثر بطرها الحقد صارت تتطاول على البستان الجريء والمتماسك والمتابع لمواجيع كل شجرة وكل سياج وكل برق. وكوعت هذه البساتين الممسوخة والنمسة عن طريق الحقائق ومجريات الحب ومعطيات الأخلاق والقرابات.. وراحت تشكل وزارات أشجار قزمة، شجرات دفلى قليلة أو مريضة وذليلة يصح أنها ممثلة سنديانات جميلة وحورات وصفصافات وجوزات وخرنوبات وتينات أصيلة. ليس معقولاً أن تقوم هذه الأفكار المهترئة والتعابير اليابسة مقام المفاهيم الزاهية والمذاكرات الذكية!؟ افتضح أمر ضحالة معلومات البساتين القزمة أمام شجاعة وعلوم ونباهة البستان البديع. واشتد الخلاف.. وأخذت تلك البساتين المجرمة على عاتقها مسؤولية العواء والصراخ، ذئبُ يعوي ماذا يقدم للكروم والحقول والبيوت والأرض والمزروعات سوى الأذى والأنياب والعض والسم!؟ ليلات الناس مسمومة بالعواء وخبث الذئاب المتطفلة على الأسيجة من الجهات الخارجية.. وسم عند هؤلاء الخبثاء من تمويل وعويل؟! لكن السيد البستان احتمى بأغاني السفوح والرياح وصد عن دياره وأهله وأغصانه العواء والذئاب.. ودافع عن جراحه بالسيادة والجرأة والفهم والسلاح... وقال لكل عائلات الأشجار والبيوت الآهلة بقاطنيها الأبرار : سيادة الجرح واحدة من أشجع السيادات..ولا مكان في هذه الجهات والديار للأشرار. الشر عدو قديم ويلبس الثياب ويتلوى كالأفاعي.. لكن الخير الذي تمونت به حياة الناس والمزوعات والشجرات من أبقى الخيرات ومن أمنع النعمات .. ولا يسع خيرنا أن يستسلم أمام الطعنات وأن يصمت أمام البشاعات والأيام والحقول المرتمية عند أقدام اليباسات.. |
|