|
متابعات سياسية وقد يحتاجون لأكثر من هزة أمنية عنيفة على شاكلة هجمات باريس الإرهابية كي يعودوا إلى صوابهم ويتخلوا عن نهجهم الاستعلائي في التعاطي مع أزمات المنطقة. فما تزال فرنسا واقعة تحت تأثير صدمة السبت الباريسي الأسود، وهي تحاول معالجة أزمتها بنفس الطريقة العقيمة التي لجأت إليها إدارة بوش عقب اعتداءات أيلول الدامية عام 2001، أي عبر الانتقام السريع ورد الفعل المتشنج، من دون الالتفات إلى دراسة الأسباب والظروف التي أدت إلى هذه الهجمات، ومن غير المستبعد أن يقع خليفة فرانسوا أولاند القادم تحت وطأت التداعيات المتلاحقة لدعم الإرهاب كما حدث معه شخصياً عندما تسلّم وضعاً أمنياً معقداً خلفه له سلفه ساركوزي عبر تهميش المهاجرين في الضواحي الفرنسية وعبر الحرب على ليبيا ودعم الارهاب في سورية، ويقيناً أن فرنسا لن تستطيع التخلص من كابوس الإرهاب الذي جلبته إلى عقر دارها عن سابق إصرار وتصميم وعناد طالما استمرت في نفس سياسات الخاطئة. ولذلك فإن الغرب وعلى رأسه فرنسا مدعو للتفكير ملياً في خياراته الجديدة تجاه الأزمة في سورية والحرب العالمية المفتوحة ضد الارهاب، فأي خطأ في الحسابات سيقود المنطقة والعالم إلى مزيد من الفوضى والدمار وعدم الاستقرار، وليس أمام الغرب بدّ من تغيير سياساته العقيمة والمأزومة حيال سورية، ومن المفروض إعادة تقييم الموقف وقراءة الأحداث والتطورات بمنظور مختلف حتى لا تتكرر أخطاء الأميركيين في العراق وأفغانستان وليبيا. وبمعزل عن التهم الموجهة للغرب بالمسؤولية عن ظهور هذه التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي تهدد أمن الدول والشعوب، هناك فرصة حقيقية لإبعاد شبح الإرهاب عن المجتمعات الغربية، لكنها مرهونة بصدق نيات الحكومات والوقوف على مكامن الخطأ وتسمية الأمور بأسمائها، إذ لم يعد مقبولا تجاهل دور الدولة السورية في محاربة الإرهاب والاستمرار في محاولات إضعافها والتدخل في الخيارات الوطنية للشعب السوري، كما لم يعد مقبولا تصنيف الإرهابيين بطريقة اعتباطية، وتقسيمهم إلى متطرفين ومعتدلين، والاستمرار في منح التنظيمات الأشد قرباً من داعش فكراً وسلوكاً البراءة من الجرائم المرتكبة وتسميتها «معارضة معتدلة» وإمدادها بالمال والسلاح في الوقت الذي تتكفل فيه هذه التنظيمات بإمداد داعش بكل ما يلزمه تحت أنظار أميركا وحلفائها وبالتواطؤ معهم..؟! ومع الأخذ بعين الاعتبار قيمة وأهمية المعلومات والوثائق والصور التي كشف عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام قمة أنطاليا لمجموعة العشرين والتي أشارت بأصابع الاتهام إلى دول ضمن المجموعة، لم يعد مبرراً للغرب في حال تخلى عن أوهامه أن يعتمد على كل من تركيا والسعودية وقطر في محاربة الإرهاب وهي التي تجاهر علناً بدعمها له ولكل دولة من هذه الدول تنظيماً إرهابيا يتبع لها وينفذ أجندتها، والاستخبارات الغربية أكثر من يعرف طبيعة الدور القذر الذي تلعبه هذه الدول دعماً وتمويلا وتسليحاً وتدريباً واحتضاناً للإرهابيين، ومن المفيد التذكير هنا باتهامات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لهذه الدول بصناعة ودعم داعش وهو سيد العارفين بحكم خبرة دولته بهذه التنظيمات زعامتها لكل تفاصيل الحرب على سورية..! منطقياً كان يجب على الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند قبل أن يأمر طائراته بالإغارة على مقرات افتراضية لداعش في سورية وقبل أن يرسل الحاملة شارل ديغول إلى شرق المتوسط، كان عليه أن ينسق ردات فعله الانتقامية مع الدولة السورية لأنها الأدرى بجدوى الغارات الجوية على الإرهابيين والأقدر على تحويل أي جهد عسكري مبذول إلى جهد مؤثر في محاربة الإرهاب وكسر شوكته، ومنع إلى تحول هذه الجهود إلى عملية استعراضية كما جرى خلال سنة وثلاثة أشهر من غارات التحالف الستيني الذي تقوده واشنطن والذي كانت محصلته سلبية للغاية وفي صالح الارهاب، لو لم تتدخل روسيا في الوقت المناسب وتوقف تمدد الارهاب وترجح كفة المناهضين له خلال الشهرين الماضيين، وحسناً فعل الرئيس الروسي حين دعا باريس للتنسيق مع القوات الروسية التي تنسق بدورها مع الجيش العربي السوري من أجل تحقيق الهدف المنشود. كما كان على أولاند وحكومته أن يدركا جيداً مسؤولية تركيا عن عودة منفذي هجمات باريس من سورية، ومسؤوليتها عن دخولهم إلى سورية باعتبارها بوابة العبور الرئيسية للإرهابيين ذهابا وإيابا، وأن السعودية التي أنفقت عشرات المليارات من الدولارات لتدمير سورية هي الراعي الإقليمي الأكبر لكل تنظيمات التكفير والتفخيخ والأحزمة الناسفة المنتشرة في العالم، وبالتالي فإن إغفال حقائق من هذا النوع لن يساعد الحكومة الفرنسية ولا الحكومات الغربية على الخروج من عنق الزجاجة وبالتالي تفادي عودة الإرهابيين إلى بلدانهم، وهم الموعودون بهزيمة ساحقة وأكيدة على الأرض السورية.. |
|