|
محطة تقريباً في مواجهة الهيمنة المرضية على علم النفس، الذي يركز معظم دراساته وأبحاثه وجهوده على علاج الأمراض النفسية المنتشرة والمتسارعة والمتنامية بوتائر عالية في عالمنا الراهن المضطرب. أما غاية «علم النفس الإيجابي» فإنها تتمثل في معرفة مكامن القوة الإنسانية وتطويرها وتنميتها لأبعد الحدود، وصولاً إلى تحويل الظواهر الاجتماعية - النفسية المَـرَضية المدمّرة إلى بنىً دفاعية قوية، قادرة على مواجهة الحالات الانحرافية الفردية منها والجماعية.. بصورة تلقائية هادئة، لصالح المجتمع وفي إطار العلاقات الإيجابية البنّاءة. أتيحت لي فرصة الاطلاع على بعض المؤلّفات العلمية في هذا المجال، حيث يتبين أنّ لدى أي شخص عناصر قوة عديدة وقدرات كثيرة، لكنّ نسبة غير كبيرة من الناس هي التي تدرك جيداً أوجه القوة ومكامن القدرات لديها، فتستثمرها بصورة فعّالة وبكفاءة عالية. أما الأشخاص الإيجابيون، فهم أسوياء ويملكون علاقات طيبة مع بيئتهم الاجتماعية المحيطة، بدءاً من الأسرة، مروراً بمواضع سكناهم وعملهم، وانتهاء بمجتمعهم الأكبر؛ لايتوقفون عند المعوقات إلا ليدرسوا كيفية إزاحتها، ولا يرهبهم الناقدون أو الحاقدون أو الحاسدون، كما لا تثبط عزائمهم الاخفاقات هنا أو هناك. حيث يتركز اهتمامهم على أهدافهم، التي لاتتناقض على العموم مع تطلعات المجتمع وأهدافه الكبيرة، ولهذا لاتحطم قواهم الأمور السلبية الطارئة والصدمات المفاجئة. إذ سرعان مايستعيدون تركيزهم وصحتهم الجسدية والنفسية، ويتغلبون على أمراضهم ويتجاوزون حالات التوقف والألم والقهر إلى منطلقات جديدة ، بصيغ أكثر قوة وتركيزاً واقتداراً. فأصحاب التفكير الإيجابي هم الطاقة التي لاتنضب في المجتمعات، لأنهم اكتشفوا الأدوات والوسائل الأكثر فاعلية في التعامل مع مشكلات الحياة وتحدياتها وأهدافها. ولهذا لايعدمون الوسائل الناجعة لأي وضع مستجد، أو أزمة طارئة؛ يحبون الناس وينصتون جيداً إليهم، ويبدون تعاطفاً حقيقياً معهم، فيكافؤون بالمحبة والاحترام والتعاطف الصادق. والتفكير الإيجابي، ليس حسابات رياضية باردة، كما يتبادر إلى الأذهان، وإنما هو اندماج بالحياة وتوجّه دائم نحو استنباط الحلول لأي مشكلة، مهما كانت معقدة ومتشابكة العناصر والمؤثرات. كما أن التفكير الإيجابي يشكل العلاج المعرفي والنفسي والعصبي للاكتئاب والإحباط وتدهور المعنويات. إنه يركز على فلسفة محورية مفادها أن الأفكار تحدّد المزاج، وبالتالي الحالة الانفعالية والمعنوية وماهية العلاقات الاجتماعية. والنتيجة: حين تتعدّل الأفكار باتجاه أكثر إيجابية وتوازناً، فإن الحالة الانفعالية تتعدّل بدورها، لتصبح صحية وطبيعية وأكثر انفتاحاً وتفاؤلاً. والمهم في ذلك كله هو تدريب الذات على التفكير الإيجابي، من حيث إنه يشكل الضامن للاقتدار في التعامل مع قضايا الحياة وأزماتها، إضافة إلى وظيفته الأساسية في تعديل الحالات الوجدانية وتعزيز الصحة النفسية. ولايعني التفكير الإيجابي أن نتجاهل سلبيات الحياة اليومية وصدماتها وإحباطاتها، فهذا ليس من الإيجابية في شيء. بل إنّ التفكير الإيجابي على العكس من ذلك تماماً، فهو ينظر إلى سلبيات وضع ما وإيجابياته بشكل جدلي - تفاعلي: ماهي سلبيات وضع إيجابي؟ وماهي إيجابيات وضع سلبي؟ وكيف يمكن تعظيم الإيجابيات في هذه المعادلة لكل وضع نواجهه في حياتنا اليومية..؟ وبالتالي فإن التفكير الإيجابي لايتغافل عن السلبيات الواقعة أو التي يتوقع حدوثها، وإنما يدرسها بدقة من جميع وجوهها واحتمالاتها، ويتصدى لها جدلياً بدلاً من الرضوخ الاستسلامي، دون إفراط في التفاؤلية، التي قد تؤدي إلى تجاهل الواقع في حركته وتعقيداته وأخطاره. أما الثابت في التفكير الإيجابي، فهو يتعلق بالموقف من الذات، حيث يتعين على المرء السوي أن يظل إيجابياً في نظرته إلى شخصه وقدراته وإمكاناته وفرصه، حتى لو كان يعاني من إعاقات طبيعية، جسدية كانت أو لغوية، أو تواجهه ظروف خارجية غير إيجابية.. ••حكمة تراثية: «كنْ جميلاً ترَ الوجود جميلا». WWW.Khalaf - aljarad. com |
|