تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل أنت ذو تفكير إيجابي؟!

محطة
الأثنين 15-12-2008 م
د. خلف الجراد

«علم النفس الإيجابي» هو أحدث فرع في علم النفس المعاصر، إذ ظهر منذ عقدين

تقريباً في مواجهة الهيمنة المرضية على علم النفس، الذي يركز معظم دراساته وأبحاثه وجهوده‏

على علاج الأمراض النفسية المنتشرة والمتسارعة والمتنامية بوتائر عالية في عالمنا الراهن‏

المضطرب.‏

أما غاية «علم النفس الإيجابي» فإنها تتمثل في معرفة مكامن القوة الإنسانية وتطويرها‏

وتنميتها لأبعد الحدود، وصولاً إلى تحويل الظواهر الاجتماعية - النفسية المَـرَضية المدمّرة‏

إلى بنىً دفاعية قوية، قادرة على مواجهة الحالات الانحرافية الفردية منها والجماعية..‏

بصورة تلقائية هادئة، لصالح المجتمع وفي إطار العلاقات الإيجابية البنّاءة.‏

أتيحت لي فرصة الاطلاع على بعض المؤلّفات العلمية في هذا المجال، حيث يتبين أنّ لدى أي‏

شخص عناصر قوة عديدة وقدرات كثيرة، لكنّ نسبة غير كبيرة من الناس هي التي تدرك جيداً‏

أوجه القوة ومكامن القدرات لديها، فتستثمرها بصورة فعّالة وبكفاءة عالية.‏

أما الأشخاص الإيجابيون، فهم أسوياء ويملكون علاقات طيبة مع بيئتهم الاجتماعية المحيطة،‏

بدءاً من الأسرة، مروراً بمواضع سكناهم وعملهم، وانتهاء بمجتمعهم الأكبر؛ لايتوقفون عند‏

المعوقات إلا ليدرسوا كيفية إزاحتها، ولا يرهبهم الناقدون أو الحاقدون أو الحاسدون، كما لا‏

تثبط عزائمهم الاخفاقات هنا أو هناك. حيث يتركز اهتمامهم على أهدافهم، التي لاتتناقض‏

على العموم مع تطلعات المجتمع وأهدافه الكبيرة، ولهذا لاتحطم قواهم الأمور السلبية الطارئة‏

والصدمات المفاجئة. إذ سرعان مايستعيدون تركيزهم وصحتهم الجسدية والنفسية، ويتغلبون‏

على أمراضهم ويتجاوزون حالات التوقف والألم والقهر إلى منطلقات جديدة ، بصيغ أكثر قوة‏

وتركيزاً واقتداراً.‏

فأصحاب التفكير الإيجابي هم الطاقة التي لاتنضب في المجتمعات، لأنهم اكتشفوا الأدوات‏

والوسائل الأكثر فاعلية في التعامل مع مشكلات الحياة وتحدياتها وأهدافها. ولهذا لايعدمون‏

الوسائل الناجعة لأي وضع مستجد، أو أزمة طارئة؛ يحبون الناس وينصتون جيداً إليهم، ويبدون‏

تعاطفاً حقيقياً معهم، فيكافؤون بالمحبة والاحترام والتعاطف الصادق.‏

والتفكير الإيجابي، ليس حسابات رياضية باردة، كما يتبادر إلى الأذهان، وإنما هو اندماج‏

بالحياة وتوجّه دائم نحو استنباط الحلول لأي مشكلة، مهما كانت معقدة ومتشابكة العناصر‏

والمؤثرات. كما أن التفكير الإيجابي يشكل العلاج المعرفي والنفسي والعصبي للاكتئاب‏

والإحباط وتدهور المعنويات. إنه يركز على فلسفة محورية مفادها أن الأفكار تحدّد المزاج،‏

وبالتالي الحالة الانفعالية والمعنوية وماهية العلاقات الاجتماعية.‏

والنتيجة: حين تتعدّل الأفكار باتجاه أكثر إيجابية وتوازناً، فإن الحالة الانفعالية تتعدّل بدورها،‏

لتصبح صحية وطبيعية وأكثر انفتاحاً وتفاؤلاً.‏

والمهم في ذلك كله هو تدريب الذات على التفكير الإيجابي، من حيث إنه يشكل الضامن‏

للاقتدار في التعامل مع قضايا الحياة وأزماتها، إضافة إلى وظيفته الأساسية في تعديل الحالات‏

الوجدانية وتعزيز الصحة النفسية.‏

ولايعني التفكير الإيجابي أن نتجاهل سلبيات الحياة اليومية وصدماتها وإحباطاتها، فهذا ليس من‏

الإيجابية في شيء. بل إنّ التفكير الإيجابي على العكس من ذلك تماماً، فهو ينظر إلى سلبيات‏

وضع ما وإيجابياته بشكل جدلي - تفاعلي: ماهي سلبيات وضع إيجابي؟ وماهي إيجابيات‏

وضع سلبي؟ وكيف يمكن تعظيم الإيجابيات في هذه المعادلة لكل وضع نواجهه في حياتنا‏

اليومية..؟ وبالتالي فإن التفكير الإيجابي لايتغافل عن السلبيات الواقعة أو التي يتوقع حدوثها،‏

وإنما يدرسها بدقة من جميع وجوهها واحتمالاتها، ويتصدى لها جدلياً بدلاً من الرضوخ‏

الاستسلامي، دون إفراط في التفاؤلية، التي قد تؤدي إلى تجاهل الواقع في حركته وتعقيداته‏

وأخطاره.‏

أما الثابت في التفكير الإيجابي، فهو يتعلق بالموقف من الذات، حيث يتعين على المرء السوي‏

أن يظل إيجابياً في نظرته إلى شخصه وقدراته وإمكاناته وفرصه، حتى لو كان يعاني من إعاقات‏

طبيعية، جسدية كانت أو لغوية، أو تواجهه ظروف خارجية غير إيجابية..‏

••حكمة تراثية: «كنْ جميلاً ترَ الوجود جميلا».‏

WWW.Khalaf - aljarad. com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية