|
معاً على الطريق ولا حتى في التفوق التكنولوجي وآخر التطورات العلمية.. بل إنه كتاب للأطفال أصبحت شهرته تطبق الآفاق وهو سلسلة (هاري بوتر) للمؤلفة البريطانية ك.ج.رولينغ التي فجأة ومن دون مقدمات ألفت هذا الكتاب على إثر حادث شخصي أصابها وهو فقد ابنها.. فكان للجزء الأول وما بعد رواج.. ثم هاج العالم وماج.. وأصبح يترصد صدور جزء جديد.. لا بالشهور والأيام بل بالعد التنازلي للأيام والساعات والدقائق والثواني المعدودات ليهرع الأهل مع أطفالهم لاستلام نسخهم التي أوصوا عليها مسبقاً.. وكأنهم حصلوا على أثمن الثروات. لا شك أن مؤسسات ضخمة وذات تمويل فريد هي التي تقف وراء هذا الكتاب لتتم ترجمته إلى الكثير من لغات العالم وبسرعة فائقة.. ولا شك أيضاً أن دعايات أضخم وأشمل هي التي تجعل من الكتاب حدثاً تهتز له بريطانيا كما تهتز له عواصم في العالم من أمريكا حتى اليابان. ولكن ماذا في هذا الكتاب سوى الخوارق في الطاقة والسحر والشعوذة والخرافات التي تخطف الأطفال ( وربما الكبار أيضاً) إلى عوالم اللامنطق واللاواقع والذي لا يمكن أن يتحقق? واقع خيالي لا يمكن أن يتحقق حتى في الخيال.. فهل هذا مقصود لأطفال العالم لكي يؤمنوا بالقوى الخارقة وبما يفوق المعجزات.. ويذعنوا للمسوغات ومن ثم ينصرف نظرهم عما يجري في العالم حولهم من كوارث وحروب ومجاعات وسفك دماء تطول أول ما تطول الأطفال من أمثالهم? أم أن النفق الموصل إلى الإشارات التنبؤية السرية التي تجعل من ظهور طفل يمسح العالم بأدق أصابعه المسحورة أمراً محتملاً? على أي حال الكتاب مشحون بتلك الرموز والإشارات وحتى بأسماء مواقع وأشخاص لها دلالاتها ورموزها. والعجيب أن الغرب الذي كان يعيب على الشرق إغراقه في الأساطير والخرافات والمعتقدات هو الذي يبني لها الآن هرماً هو العجب العجاب.. والغرب هو الذي منذ حوالى ثلاثة قرون كان يحكم على السحرة بالموت حرقاً أو سجناً أو تعذيباً ليخرج شيطان الشر الذي يتلبسهم-كما لم تفلت منه حتى (جان دارك) قديسة الوطنية في فرنسا لتلقى هذا المصير- فإنه أي الغرب ظل ينظر إلى مثل هذه الأمور نظرة الريبة والحذر فإذا به يقع فيها وكأنها القدر. وفي السبعينات من القرن الماضي عندماقال كاتب بريطاني هو (كولن ويلسون) إن القرن القادم أي الحادي والعشرين هو قرن الكشف عن الغوامض والسحر, أهمل شأن هذا الكاتب, وانطفأ اسمه مع أنه كاتب روائي جيد ومحترف. أما كتابه الذي دعا فيه إلى الكشف عن أسرار السحر فهو ( الإنسان وقواه الخفية) وهي محاولة لكشف علمي وتحليلي للظواهر غير العادية بل للخارقة التي عبرت التاريخ وخاصة الحديث منها في أوروبا. وإذا كان كتاب مثل ( هاري بوتر) قادراً على أن يحقق هذه المعجزة في حصد ثروة لصاحبته تفوق ثروات الملكات فإن العمل على ذيوع هذا الكتاب ونشره بهذه السرعة الفائقة أمر يستحق الوقوف عنده, خاصة وأن قراءة الكتب أخذت تنحسر عموماً لمصلحة الانترنت!! أما إلى أين تذهب هذه الأموال ومن المستفيد منها فإنه أمر لا يحير العقول والأفهام لأن مؤسسات النشر والإعلام هي التي تهيمن على الكتاب فتتزايد الشهرة وترتفع الأرقام. وأنا لا أتناول الكتاب طبعاً بالشرح أو التحليل أو كعمل روائي متسلسل وطفلي وإنما أتناوله كظاهرة مريبة في عالم الدعاية والإعلام.. وفي زمن تغوص معه في الرمال والبحار ألوف الألوف من العبقريات والأقلام. |
|