|
تجارب شخصية ويسجل التاريخ اسمه, آمن بالعلم وأحبه, وما زال يؤكد على دوره في حضارة الأمم لأنه القوة الحقيقة ويرى أن الإنسان يكبر عندما يكبر بلده به. وبقدر ما يأخذ يصغر, إنه رائد الفضاء محمد فارس الذي يحدثنا عن تجربته الغنية والمهمة. تحقيق حلم الطفولة * ولدت في حلب في حي شعبي 1951 وكان رقمي السادس بين اخوتي السبعة ودراستي كلها كانت في حلب.. ولحسن حظي فإن الصدفة لعبت دورها في تحريك مشاعر حبي للطيران عندما كنت اراقب طيارات الكلية الجوية عند اقلاعها فوق حينا.. وقد حلمت أن أكون طياراً وتحقق ذلك الحلم, ودخلت الكلية الجوية بعد حصولي على الثانوية العامة وتخرجت بمرتبة ملازم طيار.. * وعلى الرغم من أني أصبحت طياراً لكنني بقيت أحلم بأكثر من ذلك وبأن أكون رائد فضاء, رغم صعوبة فكرة وجود رائد فضاء سوري في تلك الاثناء وكانت غير واردة أبداً لأن ارتياد الفضاء حلم كبير جداً.ولكن بقيادة القائد الخالد تحقق لي ذلك الحلم عام ,1985 وتم الاتفاق مع الاتحاد السوفييتي آنذاك بإرسال مندوب عن سورية كرائد فضاء إلى الفضاء الخارجي لإجراء مجموعة من التجارب العلمية, وبالفعل تم اختياري من بين مجموعة من الطيارين المقاتلين ولأنه ثبت علمياً أن الطيار المقاتل هو الأقدر على التأقلم مع ظروف الفضاء القاسية.كانت أيام التأقلم سبعة أيام وقد لا يتأقلم الإنسان مع الفضاء والرحلة مدتها ثمانية أيام ولا يمكن أن يقضيها الإنسان بالنوم أو الشعور بالتعب. تجربتي الفضائية - ذهبت برفقة زميلي منير حبيب إلى مدينة النجوم وتدربنا لمدة سنتين تدريباً قاسياً جداً على ارتياد الفضاء وقيادة المركبة والمحطة الفضائية. وتم تنفيذ ثلاث عشرة تجربة علمية وهي لا تفيد سورية فقط وإنما تفيد الإنسانية بشكل كامل, سبع منها تجارب طبية وتجارب تعديل فضائي وتجارب كيميائية وفيزيائية إضافة إلى تصوير مساحة سورية ودراسة التربة والتلوث المائي والهواء والثروات الباطنية في سورية, ودراسة انهدام العالم الافريقي وحوض مسكنة. وكانت تجارب غنية شهد عليها الرواد الروس الذين رافقونا حيث قالوا إنها فترة زمنية قصيرة لإجراء كل تلك التجارب. وبالرغم من الظروف القاسية التي واجهتنا تغلبنا عليها بتدربنا السابق على الأرض والذي اعطانا نقطة مهمة في حياتنا, وقد وصفت هذه المرحلة (بالرحلة اللامعة) والحمد لله لم نتعرض لمشكلات صحية أو علمية. أثرها النفسي - بداية مثلت بلدي وعملي كله لصالحه, وعلى المستوى الشخصي تحقق حلم لطالما راودني, شاهدت الأرض من الفضاء الخارجي وعشت الظلمة الفضائية والتحرر من الجاذبية الأرضية والتغت الحدود من الفضاء للكرة الأرضية. واعطتني نقاطاً ايجابية انطبعت في شخصيتي ونفسيتي ولاسيما عندما شاهدت الأرض صغيرة جداً, فقد صغرت المشكلات أمامي فعندما عدت إلى الأرض اصبحت المشكلات التي تعترضني أكثر سهولة, شعرت بإنسانية الإنسان. وقد صدقت مقولة لأحد رواد الفضاء عندما قال (لو أخرجنا الاشرار للفضاء لرجعوا أخياراً). فعندما هبطت على الأرض, لم أفكر في أي بلد أنا, كان يهمني أنني وصلت إلى الأرض وكأنها (الأم الحنون), فالأرض هي الملاذ الوحيد للإنسان وتساءلت كثيراً لماذا يوجد كل هذا الشر في العالم? فالأرض جميلة وتتسع لكل البشر وللأسف طمع وتسلط الاشرار هو الذي يسيطر عليها. * وأهم شيء علمتني الصبر والتروي في حكمي على الاشياء واجهت صعاباً كثيرة وظروفاً قاسية تعاملت مع تكنولوجيا متطورة جداً تحتاج لصبر وحكمة, وعلمتني عدم الخوف ومواجهة الخطر دونه.ولاسيما عندما تعترضني مشكلة تقنية, فعندما أخاف سوف أقع بمشكلتين ويصعب حل ذلك. أسرتي * أنا متزوج ولدي ابنة وحيدة وهي الكبرى وأربعة أولاد.. وبالنسبة لهم شعرت بحبهم وسرورهم واعتزازهم بي, لم تؤثر شهرتي على علاقاتي ورفاق عمري, على الرغم أنها تقيد الإنسان وتجعله يحسب حساباً لتصرفاته ولاسيما في الأماكن العامة, ولكن ما زلت أمارس عاداتي وأخرج مع زوجتي للتسوق وأرى الناس وأبادلهم الحديث. * وعن أثرها النفسي بقيت كما أنا ولم أتغير, أفرح عندما أرى أي إنجاز علمي في بلدي ويهمني أكثر من التحصيل المادي. ولكن ربما الضغط النفسي قد يعود على حياة الأسرة والزوجة والأولاد والوضع الذي يعيشونه من خلال علاقاتهم مع الآخرين ونظرتهم إليهم. * علمتني الرحلة عدم التكبر فالإنسان صغير جداً من ناحية الحجم وعليه ألا يتكبر وأن يكبر بإنسانيته وقناعاته وأن يسمو بها, فالجشع والإنانية أصغر من اللاشيء.. إن الإنسان يكبر عندما يكبر بلده به. وبقدر ما يأخذ يصغر.. وعليه أن يحب بلده كما يحب أولاده لأنهم يستحقون منه ذلك, فالإنسان ذكرى وليس هو ماضياً وحاضراً فحسب بل هو مستقبل ومستقبلنا اطفالنا. صعوبات لابد من مواجهتها * حالياً نعيش عصر العلم والاهتمام بالعلم هو القوة الحقيقية لتطور الأمم والاسلحة الفتاكة والمتطورة والذكية هي من إنتاج العلم وللأسف الشديد يوجد اهمال شديد للعلم وإذا نظرنا لدول العالم نرى أنه يرصد للبحث العلمي مبالغ ضخمة وهائلة. بينما في الوطن العربي ككل وحتى في سورية البحث العلمي مهمل والعلماء مهملون.. ولطالما سئلت (لماذا الفضاء وماذا يهمنا ويفيدنا) وأقول إن حل الكثير من المشكلات يكون من الفضاء الخارجي, فالهند دولة لديها مشكلات وصلت إلى المجاعة في بعض المناطق ورغم ذلك ترسل أقماراً صناعية. فمشكلاتنا هي عدم فهم التطور العلمي والحضاري للبشرية وعدم قدرة الكثير من اصحاب القرار فهم مشكلة الولوج والدخول في العالم المتطور علمياً. وينظر للأمور من وجهات نظر سياسية محددة, ولا ندخل بصلب الحقيقة ب (قوة العلم) والذي يوضع الأمة في مكانها الصحيح, ونحن أمة عرفت بتاريخها العلمي والحضاري وعلماؤنا العرب برعوا بكل المجالات واخذوا واعطوا الكثير. * ولدينا شباب متعلم وامكانيات لارتياد الفضاء وعلى مستوى عربي والمال متوافر ويصرف في مجالات غير صحيحة, فإذا استثمر في مجالات علمية نكون أفضل ونكون قادرين على اطلاق أقمار صناعية.. وللأسف لدينا أقمار (عربسات ونيل سات) ولكن التصنيع ليس وطنياً وليست للأمة العربية, وأموال كثيرة تهدر لو صرف جزء منها في البحث العلمي سوف يحقق وحدة الأمة لأنه يقارن بين وجهات نظر السياسيين. حديث القائد الخالد كان حافزاً * أهمية هذه الرحلة إضافة إلى ما ذكرت أنها كانت تاريخية وعميقة والذي ميزها أن القائد الخالد حافظ الأسد كان مهتماً بها شخصياً ومتابعاً لها منذ بدايتها وعلى اتصال مباشر معنا, وكنت سعيداً ومسروراً جداً عندما تحدث معي شخصياً وشاهد الناس ذلك على مساحة واسعة من الأرض. اعطتني حافزاً كبيراً لعمل المزيد ورغم الواقع الصعب الذي كنا نمر به, وقساوة الحياة بالفضاء, فهي تجربة وحيدة وأهميتها كتجربة علمية اجتماعية تثقيفية خلقت تياراً تثقيفياً باتجاه العلوم الفضائية في بلدنا. أمنيتي * أتمنى الاستفادة من هذه التجربة الوحيدة ونتائجها العلمية, لتكون نقطة بداية للعلوم الفضائية مستقبلاً وأن يكون للعلماء دور في ذلك ولابد من الاهتمام أكثر في مجال البحث العلمي. وأن توجد معاهد فضائية وكليات علوم فضائية أسوة بالعالم, بالرغم من أنه يوجد مراكز علمية جمعية كونية سورية وجمعية هواة الفلك وغيرهم يهتمون بأمور الفضاء والفلك.. وأتمنى أن تكون حافزاً لنشاط سوري في مجال الفضاء لإطلاق قمر صناعي.. فنحن لا نستطيع العيش دون فضاء وحياتنا أصبحت مرتبطة به. * ونصيحتي للشباب.. بعدم التراخي بمعنى أن يتدرب ويعمل في عمر العطاء والشباب لأن ذلك سيعود عليهم بالخير والفائدة لاحقاً بمجالات الحياة مختلفة.. وأن تكون اهتماماتهم بالمطالعة والثقافة والعلوم لأنهم هم المستقبل وقوة الوطن, وقوتهم تكمن بعلمهم والعلم نابع من الثقافة والقراءة. وأن يهتم أكثر ببناء شخصيته بدلاً من الاهتمام بالفضائيات وما تثبه من سموم وتخريب لعقولهم من أجل إبعادهم عن قوة العلم, وهذا يعود إلى الأسرة ودرجة وعيها وفهمها لكل ذلك. فالأسرة أساس ترابط المجتمع, ولابد من زيادة اهتمام المسؤولين والمعنيين بجيل الشباب والتركيز على مسألة التثقيف والاهتمام بالنزعة العلمية التي لديهم ولا سيما العلوم التطبيقية ولاسيما أنه لدينا منظمات مسؤولة عن الشباب. |
|