|
شؤون سياسية (عبقرية الزمان والمكان) كونه يمثل وحدة جغرافية سياسية متكاملة من المغرب العربي إلى المشرق وقد كانت السيطرة على هذه البقعة الجغرافية تمثل بالنسبة للامبراطوريات الحديثة والمتنافسة وسيلة لتعزيز قوتها. ولما كانت هذه المنطقة موحدة سياسيا شكلت قوة عالمية واقليمية جعلت الدول الغربية تعمل على ألا تعود هذه المنطقة العربية إلى وحدتها السياسية وإنما كانتونات سياسية ضعيفة. لما كانت مصر تشكل نقطة الارتكاز الجغرافي الأساسية في المنطقة العربية وإن تراجع هذه النقطة أو السيطرة عليها أو تحييدها من قبل القوى الاستعمارية يضعف الوطن العربي ويهدد أمنه القومي وإن نهوض هذا الارتكاز الجغرافي العربي وما يسمى ب (القلب العربي). في كتل سياسية واحدة كانت السبيل لنجاح المقاومة للمشروع الاستعماري الغربي والارتكاز الجغرافي العربي هو مصر والقلب هو العراق ومن خلال المقاربة التاريخية يمكن فهم محاولات السيطرة على الارتكاز والقلب. قال (رينهولد ينبور) أحد أشهر رواد النظرية الواقعية في العلاقات الدولية في القرن العشرين :(إن الذي يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على أوروبا). ونقل الكاتب الفرنسي (ماريوس بلتييه) عن زعيم الثورة البلشفية الروسية (فلاديمير لينين) قوله:(إن الطريق إلى باريس يمر عبر المغرب) ويقصد هنا المغرب العربي وتأتي أهمية المغرب العربي الاستراتيجية في التنافس بين القوى الإستعمارية الأوروبية والتي يعتبرها أستاذ الجيوبوليتيكا الأمريكي المعاصر (سول كوهن) البوابة الخلفية لأوروبا وهذا ما يفسر القلق الأوروبي من التطورات السياسية على بوابته الخلفية. لقد كان مفهوم (الشرق الأوسط) في الدوائر الغربية سواء في بريطانيا أو الولايات المتحدة لاحقا قد ارتبط بآسيا العربية ومصر إضافة إلى بلاد فارس »إيران حاليا) وإلى حد ما في بعض الأحيان تركيا عندما يراد لها أن تؤدي دورا مهما في (الشرق الأوسط) يخدم مصالح الغرب. ولكن وبعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق يقول أستاذ النزاعات الدولية الأمريكي »مايكل كلير):إن الحرب أوضحت أن نقطة الارتكاز المركزية للتنافس الدولي هي منطقة جنوب ووسط آسيا أي ما هو قائم من أفغانستان والجمهوريات الإسلامية الآسيوية وحتى العراق الذي اعتبره وليم هاملتون أستاذ التاريخ الأمريكي »قلب الشرق الأوسط) ولهذا فإن احتلال العراق يمثل وبحسب رأي هاملتون أهمية استراتيجية كبرى للولايات المتحدة إن أول من نبه إلى نقطة الارتكاز الجغرافي كان الجغرافي البريطاني »هالفورد ماكيندر) الذي طرح نظريته المشهورة والتي أثرت في الفكر الاستراتيجي في أوروبا وأمريكا خلال القرن العشرين وحتى الآن »من يسيطر على شرق أوروبا يسيطر على قلب اليابس ومن يسيطر على قلب اليابس يسيطر على جزيرة العالم ومن يسيطر على جزيرة العالم يسيطر على العالم ) ويقصد ماكسيندر بجزيرة العالم القديم » آسيا-أوروبا-افريقيا) ولكن نابليون كان قدر أهمية قلب اليابس قبل هذا الجغرافي عندما توجه بحملة عسكرية إلى روسيا. ونلاحظ بأن مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق وأحد أبرز صقور الحرب الباردة كان قد عبر عن ذلك بما سماه (قوس الأزمات) والذي اعتبره البعض حافة اليابسة ومن يسيطر على حافة اليابسة يسيطر على العالم والمقصود بحافة اليابسة »العالم العربي الإسلامي) بتسميته الأمريكية الجديدة » الشرق الأوسط الكبير) الذي لا يزال يشكل السيطرة عليه نقطة السيطرة على العالم كما يؤكد معظم الاستراتيجيين الغربيين من ماكيندر حتى بريجنسكي وبول وولفوتيز مهندس احتلال العراق ونائب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق.. إن الاستراتيجيين في وزارة الدفاع الأمريكية وفي مجلس الأمن القومي الأمريكي قد تأثروا بنظرية (ماكيندر) فالعراق عندهم قلب المنطقة العربية الآسيوية وبحسب رأيه فإن احتلال العراق يعني: السيطرة على البترول والتحكم بطرق المواصلات الاستراتيجية والتحكم بشواطئ الخليج العربي لما لها من أهمية دولية وكذلك التحكم بالهلال الخصيب حيث تصبح المنطقة بحسب وليم هاملتون تحت الهيمنة الأمريكية من القاهرة إلى اسلام آباد. من الناحية التاريخية كانت مصر تشكل نقطة الارتكاز الجغرافي العربي في (الشرق الأوسط) ولذلك كان يتردد في الدوائر الغربية لا سيما الأمريكية منها أن لا حرب بين العرب و(إسرائيل) من دون مصر,ولذلك كان الهدف الاستراتيجي عند مناحيم بيغن في كامب ديفيد هو اخراج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي الصهيوني. ونلاحظ بأن محمد علي باشا في مصر قد تنبه إلى أهمية نقطة الارتكاز الجغرافي والتي مثلتها مصر في الدولة العثمانية في ما يسمى »الشرق الأوسط حاليا). وقد أقلق زحف محمد علي باشا من نقطة الارتكاز الجغرافي إلى قلب (الشرق الأوسط) الدول الأوروبية التي وقفت ضده عندما قرر الزحف إلى بلاد الشام لأن الزحف المصري هذا يشكل تهديدا فعليا لأوروبا. ولذلك وبناء على ما تقدم كان فرض معاهدة لندن (تموز عام 1840) على محمد علي باشا وإنهاء الدور المصري في بلاد الشام يؤكد النظرة الاستراتيجية الغربية لأهمية ارتباط نقطة الارتكاز الجغرافي مع قلب (الشرق الأوسط) الذي يهدد أوروبا. لقد كان هنري كيسنجر ينظر إلى نقطة الارتكاز الجغرافي »أرض الكنانة-مصر) وأهميتها الاستراتيجية لجهة الصراع العربي الإسرائيلي فكانت سياسة الخطوة خطوة تمثل نقطة البداية في الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية في احتواء نقطة الارتكاز الجغرافي باعتبارها أكبر قوة عسكرية عربية تهدد الوجود الصهيوني على أرض فلسطين. لقد علمنا تاريخ أوروبا قول تشرشل في الحرب العالمية الثانية عندما تحالف مع ستالين ضد هتلر :»إنني مستعد للتحالف مع الشيطان في سبيل الحفاظ على بريطانيا). من هنا فإن إعادة فعالية النظام العربي المتدهور وأمنه في النظام الدولي مرتبط باستقراء التاريخ كما ذكرنا ما كيندر في أوروبا وجزيرة العالم فالوطن العربي قد يكون قوة محركة للتاريخ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قراءة التاريخ مجددا بأن الارتكاز الجغرافي والقلب العربي هما مفتاحي السيطرة على (الشرق الأوسط )ومن يسيطر عليهما يستطع التحكم في (الشرق الأوسط) وبالتالي على جزيرة العالم القديم ومن ثم يفرض وجوده على النظام الدولي الجديد. |
|