تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(الدولة المستورَدة) في ترجمة جديدة... ورديئة

كتب
الاربعاء 31/10/2007
حسام جزماتي

برتران بادي أستاذ بارز في معهد الدراسات السياسية في باريس. له عدد من الكتب التي ترجم معظمها إلى العربية. ومنها كتابه (الدولة المستورَدة: تغريب النظام السياسي), الذي صدرت ترجمته العربية عن دار العالم الثالث بالقاهرة, بترجمة لطيف فرج, عام 1996.

غير أن هذا لم يمنع دار الفارابي, دار النشر البيروتية المعروفة, من إعادة إصدار الكتاب, بالتعاون مع دار آنيب الجزائرية, في عام 2006, بترجمة شوقي الدويهي, تحت عنوان (الدولة المستورَدة: غربنة النصاب السياسي), دون الإشارة إلى الترجمة الأولى.‏

ولايقف الأمر عند هذا الحد, فالترجمة الجديدة حرفية وركيكة, بالمقارنة مع الترجمة السابقة (دون العودة إلى الأصل الفرنسي من قبلنا). وتنم عن عدم دراية المترجم بالحقل الذي يشتغل عليه الكتاب, وعدم استطاعته تقديم مضمونه في جمل تؤدي معاني مفهومة. فضلاً عن نقل بعض المصطلحات الفرنسية كما هي, بعد كتابتها بالأحرف العربية, من مثل: التساتل سستمة النيوباتريمونيالي المونوقراثية النصاب الشوغاني... غير أن الأدهى هو (ترجمة) بعض أسماء الشخصيات العربية الواردة في الكتاب, دون محاولة إعادتها إلى أصلها العربي, مثل أبو الهدى الصيادي الذي يصبح في الترجمة الجديدة ( عبد الخودا السيادي) (ص 184).‏

وبالعودة إلى مضمون الكتاب (الذي لا يمكن التقاطه إلا بالاستعانة بالترجمة المصرية) نجد أن بادي, المشغول دوماً بدراسة مفهوم (الدولة), يخصص كتابه هذا لآليات انتقال (تصدير واستيراد, بحسب تعابير الكتاب) هذا الشكل من أشكال التنظيم السياسي, مع سواه من مفردات (التكنولوجيا السياسية) الغربية, من بلاد الشمال إلى بلاد الجنوب, بعد ترسيمها كقيم مطلقة. بينما يرى بادي أنها مرحلية وتاريخية ومشروطة, وأنها ليست الطريقة الوحيدة لحكم المجتمعات في كل زمان ومكان, وأن ارتباطها بالسياق التطوري الغربي أوضح من أن يسمح بادعاء كونيتها.‏

فقد شهد المسار الغربي تحولات مجتمعية أدت إلى انهيار أشكال التضامن الأهلي, ثم (فردنة) العلاقات المجتمعية, فانخراطها في تشكيلات أفقية تفضل منطق المشاركة على أساس »المواطنة) على البنى الأهلية السابقة. وهذا ما ولد المجتمع المدني, الذي يشكل العنصر الأكثر حسماً في كامل الجهاز السياسي »الحديث), أي الغربي. بينما الملحوظ أن العصبيات الأهلية والشبكات المجتمعية الموروثة هي العناصر الأكثر فاعلية في مجتمعات الجنوب, رغم الهجنة التي أصابتها نتيجة قسرها على الاندراج في السياق الغربي, فتغلغلت في أحزاب العالم الثالث التي تشكلت أصلاً كنسخ عن أحزاب أوروبية في الخطاب والممارسة والرموز.‏

كما تمت الترجمة الفورية, المهجنة والركيكة أيضاً, لمقولات الديمقراطية في أشكال وصيغ تمثيلية (نظام برلماني بلديات) لم تساهم إلا في حجب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والإحباط المجتمعي العميق. فلم يجد الفرد, إزاء مؤسسات فاقدة للمعنى, إلا أن يعيد ترتيب استراتيجيته وفقاً لحسابات شخصية ونفعية.‏

وإذا كان الفرد في الغرب قادراً على التأثير في خيارات الدولة, بوصفه »دافعاً للضرائب), فإن الجزء الذي تشكله الضريبة من تمويل نفقات الدولة في الجنوب جزء لا يعتد به. إذ تستمد الدولة قوتها الاقتصادية من إدارة العلاقة مع الخارج, المستورد الرئيس للمواد الأولية, والممون الأساس بالبضائع. مما يجعل اهتمام نخب حكم الجنوب بعلاقاتها مع نخب الشمال أكثر تأثيراً من الوسائل الكليلة لمجتعاتها في المراقبة والضغط.‏

ودون الوقوع في »العمالة), تتغذى النخب الثقافية في الجنوب من استيراد المنتجات الثقافية الغربية, حتى حين تنتقي مراجع غربية لنقد الغرب, فتتبنى خطاباً اشتراكياً معادياً للإمبريالية. بينما تنزلق الاعتراضية القائمة على الهوية إلى خطاب هجين, تسوقه بلاغة إجماعية وغامضة إزاء الرهانات الملموسة.‏

يقدم الكتاب نقداً ممتازاً لآليات استيراد النموذج السياسي الغربي. ويبين المآزق التي نجمت عن عمليات المحاكاة هذه في أماكن كثيرة من العالم, كالبلاد الإسلامية والهند والصين... وينتقد بشدة الممارسات القسرية الهجينة التي نجمت عن الضغط على كل سياق غير غربي بهدف »تصحيح) مساره الخاص وفق النموذج »المعياري) الغربي. غير أنه, وخارج وظيفته النقدية, لا يعنى بالإجابة على السؤال المتبقي: وما العمل?‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية