|
آراء
ولاخطر ببالي البحث عن الأسباب التي تجعلهم يعرضون أنفسهم للخطر, من أجل أن يبهروا الجمهور ويستمتعوا بصيحاته وفرحه الأناني المختلط بحماقة الغريزة, إذ ما الذي يفرح البشر برؤية لاعبين يلامسون الموت على خطوط التماس بين الأراجيح العالية ودوائر النار المشتعلة, والحبال الرفيعة الممدودة في الفراغ والدراجات ذات العجلة الواحدة, ومداعبة الوحوش المفترسة? كوة واحدة فتحتها المصادفة, على حياة لاعبي السيرك الخفية, أكدت لي بؤس اللعبة واللاعبين, هي قصة تشيخوف ( الصبي المطاط ), ولتشيخوف مآثر لاتحصى في التوغل في آلام البشر وإخراجها إلى الضوء كأنها بضعة منه, ودفقة من أنفاسه!! عرفت كم يهدر لاعب السيرك من وقته وطاقته, قبل أن يقوم بحركة واحدة أمام الجمهور واقتنعت أنه إنسان عادي قهرته الحياة وملأته بالأحزان والهموم والأحلام والآمال.. ولسبب ما دخل لعبة الخطر وأوغل بعيداً في قبض أجره من الإثارة الجماعية المشتركة بينه وبين الجمهور, رغم أن الطرفين لايميز أحدهما وجه الآخر.. ويشتركان في صناعة وتنويع البهارات على أنواعها, دون طبق طعام حقيقي! سأكتشف دون دهشة, أن قواعد لعبة السيرك المقيتة, المموهة بكل بهارات الإثارة, منتشرة حيثما يممت وجهي, ينخرط فيها المرتشون, والنصابون, والمتشاطرون, والمتحايلون لسرقة الثمار من فوق أسوار بساتين لايملكونها, وأولئك الذين يطلون وجوههم بالمساحيق لإضافة الطرافة والتهريج على انحرافهم,أما أن يطلع من هؤلاء بعض من تسللوا إلى الصحافة, ولم يحتاجوا لأكثر من قلم وزاوية في صحيفة فشيء يستوقف المرء, أنهم لم يفلحوا بعد في حجز مكان لهم في المرئي والمسموع ( ربما لأن هذين النوعين من الإعلام يقتضيان إبراز أسارير الوجه أو كشف نبرات الصوت ), والكتابة عند هؤلاء تصويب متعمد على أشخاص يتصيدون لهم موقفاً, أو تصريحاً أو كلمة, ويفضل أن تكون الضحية ذات وضع اعتباري, واحترام لدى الناس, حتى يشبعوها تمزيقاً, وشتائم تنتقص من هيبتها, لعل وعسى أن تدخل معهم في معركة علنية تثير سرورهم وتكمل لعبة الأكروبات التي يمارسونها! وللعلم هذه المدرسة المعاصرة في صحافتنا أسسها صحفي أثار الكثير من الفضائح حول شخصه,من نمط أن يشهر بفتاة معروفة في الأجواء الثقافية, باسم الحب, ولاك سيرتها على الأرصفة وفي المقاهي والحانات, ثم انصرف إلى توليف القصص المشينة عن هذا الكاتب وذاك الشاعر, خالطاً في الوعاء ذاته الخاص والعام على طريقة طبيخ الشحاذين, ولحسن الحظ أن ذاك الصحفي اختفى من صحافتنا الرسمية والخاصة بعد أن صرخ صرخته الأخيرة ( على طريقة خالف تعرف ) وأعلن أنه عميل مصفى لوزير الحرب الأمريكي, فلم يحفل به أحد حتى الوزير المذكور نفسه, لكن على مايبدو, راق أسلوبه لبعض الكتبة الذين يجلسون في غرف مغلقة, وأظنها بائسة على شاكلة أقلامهم ونفوسهم, يستعرضون المبدعين تحديداً, ويبدؤون بتشريحهم والتشهير بهم, مع المطالبة بحرية الرأي والصراخ بضرورة تعديل قانون المطبوعات باعتبارهم حماة الكلمة وأنبياءها.. علماً أن أحداً لايدعي أن الصحافة ليست حرية للكلمة ومساحة لإبداء الرأي والنقد, والنقد ليس الروح, فللروح قواعد مختلفة تماماً تذكرنا بالفرق بين طاولة الحوار والمشاهد التي قدمتها أفلام زمان بين امرأتين بلديتين تتباريان بشد الشعر والقذائف اللفظية البذيئة ! ولعل أطرف قصة سمعتها عن هؤلاء, قصة مصور صحفي اسمه لايهم أحداً, لأن المصورين جند مجهولون كما يقال.. هذا المصور افتعل معركة مع طبيب هو أستاذ تصوير ضوئي في نفس الوقت, تقاطع بينهما معرض. فبدأ يلاحقه ويشهر به بين طلبته, والجهات التي تستعين به في دورات تدريبية, وحين عاتبه الطبيب بتهذيب واحترام, أجابه تلك الإجابة المذهلة: أنت لاتعرفني أنا صحفي مشاكس! ( هكذا !! ). إذن هؤلاء المنتمون إلى مدرسة صحفية جديدة لاتنتمي إلى النقد اللاذع, ولا إلى الكاريكاتير الساخر العميق, ولا إلى رغبة التغيير وإزالة العفن من هنا أو هناك, يتفاخرون بذواتهم, وينامون سعداء, بعد إسالة دماء الضحايا, مااستطاعوا إلى ذلك سبيلاً, ولعلهم حين ينامون, إذا ناموا, يديرون ظهورهم إلى أمراض نفسية يعانون منها, ولم يسعدهم الحظ في معالجتها, وهي أمراض باقية من طفولة أمعنوا فيها بتكسير نوافذ الآخرين, ودوس ورود حدائقهم بالأقدام, قبل أن يتواروا مع فرحهم بالأذى.. ولعل الحياة وحدها تعطيهم الجائزة المرجوة, على طريقة الخليفة الذي بهره لاعب يقذف إبرة إلى الجدار .. وإدخال إبرة أخرى في ثقبها.. هكذا إلى مالانهاية, فمنحه جائزة مالية, ثم أمر بجلده.. ( المال من أجل البراعة, والجلد من أجل إضاعة الوقت فيما لايجدي..) ولعلي إن انتهيت مما كتبت لا أسمع قذيفة تحطم زجاج نافذتي, رغم أنني تلقيت مثل هذه القذائف بين آن وآخر من زملاء أحبهم وأحترم قلمهم.. ولم أفهم دوافع أن يرموني بشظية في حق رميهم الذي نال الكثيرين. |
|