|
ثقافة هي اليوم مرحلة متجذرة من حياتنا، وتاريخ سورية والوطن العربي، لا بل يمكن القول انها محطة اساس في العالم كله، لانها نقلت سورية من دور الى آخر، ومن ثبات الى حراك فكري وسياسي وثقافي وفعل حضاري مقاوم يبني ويعلي الانسان، ولايتركه في مهب الريح ابدا، واليوم ما احوجنا ان نقف عند محطات في مسيرة هذا البنيان الذي تجذر وعلا، ولولا تجذره وعلوه ما كانت سورية اليوم بهذا الشموخ والصمود، والقدرة على ان تكون محور العالم، في كل شيء.
لقد ادرك القائد الخالد حافظ الاسد ان بناء الانسان هو غاية وهدف ومنطلق، والبناء ليس من فراغ، ولا الى فراغ ابدا، بل من اجل ان يتخذ كل منا موقعه ودوره وان يكون جنديا فاعلا في مسيرة البناء التي لايمكن ان تتوقف عند مرحلة ما ولايمكن ان تكون لجانب دون آخر في حياتنا، عملية كلية متكاملة، تبني الانسان الكامل، القادر على تحمل مسؤولياته الوطنية والقومية، والمؤمن دائما وابدا بقضاياه العادلة. ولهذا فاننا حين نستعرض مراحل في مسيرة البناء هذه، فانما نحن نستعرض مسيرة بناء انفسنا، ومقدراتنا, وثقافتنا، يومنا وغدنا، نستعرض انجازتنا الفكرية والمعرفية، واستعادة دورنا السياسي والحضاري، بمعنى آخر مختصر، انها سورية المعاصرة, والسوري المعاصر, الذي نشأ على قيم الحب والخير والعطاء، والقدرة على الانجاز، بغض النظر عما تراه الان من كوارث تحل بنا من كل حدب وصوب. بناء الانسان الواعي المدرك لاهدافه وغايته، هو اللبنة الاساس في كل ما تأسس، وما كان، ولهذا نرى ان الاب المؤسس القائد حافظ الاسد، طرح نظرية البناء الشامل، الكل المتكامل، الانسان الثابت جذورا في الماضي والمتطلع الى الغد، الذي يعمل اليوم من اجل ان يكون يومه غدا لاجيال تراث العلم والمعرفة، والبناء، وكانت الاقانيم الثلاثة في البناء، المادي، المعرفي التربوي، وقد اختزل القائد المؤسس ذلك بمقولته الرائعة: الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية، ومن يتابع الانجازات المعرفية وبناها التحتية لبناء حراك ثقافي حقيقي يجد ان الامر امتد على مساحة سورية، من اقصاها الى ادناها، من الشرق الى الغرب، ومن آخر بلدة على الحدود القصية الى أي نقطة مهما كانت صغيرة، فثمة بناء لمركز ثقافي، يشكل اشعاعا حضاريا، ينشر العلم والمعرفة، وعلى قدر اهل العزم القادمين اليه، فثمة من هو في دورات محو الامية، واخرين في صفوف المهن الشعبية واخرين هم في الصفوف المتقدمة من النشاط الفكري والاجتماعي البناء والخلاق، ولا نشير هنا ابدا الى المدارس التي تمثل انجازا حقيقيا، لم تعرفه دولة من دول المنطقة ابدا، فحتى البدو الرحل تم اعداد مدارس متنقلة لهم، ومعها المعلمون والمربون, وما ارسته الحركة التصحيحية، واعلى بنيانه القائد المؤسس حافظ الاسد، يجعلنا نشعر بالفخر ان سورية التي امنت بالانسان غاية ومنطلقا للحياة، راهنت عليه كثروة كبرى، لم تخسر الرهان ابدا، واستطاع السوري ان يحطم حواجز التخلف والتبعية، وان يبني جسورا للفكر والحضارة والتقدم. هذا الثراء في البناء ومسيرة الانجازات حول سورية من دولة في مهب العاصفة الى ان تكون دولة فاعلة، قادرة استعادت امجادا عريقة وجعلتها طريقا الى الغد، لم تبق الدولة المنغلقة المتقوقعة على ذاتها ابدا، وخلال فترة قصيرة من الزمن استطعنا ان نعيد الالق الى الدور الريادي والحضاري للانسان العربي، فكانت حرب تشرين التحريرية التي هي اولا واخيرا فعل وانجاز معرفي وحضاري لسورية ومعها العرب، نقول انجازاً معرفياً بكل الدلالات والمعاني التي تعني انك قادر على خوض حرب ضروس بمختلف الاسلحة وتواجه اعتى قوى الشر، والجندي العربي السوري اثبت جدارته في استخدام اعقد انواع السلاح، ناهيك عن الخلفية الاجتماعية التي ترسخت لتكون الحرب منطلقا فاعلا لتحرير نزعة الهيمنة الصهيونية، ولتكسر حاجز الرهبة, وتغسل ما سمي ذل الهزيمة التي ذاقها العرب في حزيران، على هذا الاساس كانت حرب تشرين التحريرية، اساسا متينا لبناء جيل المقاومة المؤمنة بالانسان والارض وتحقيق الاهداف، وما جرى بعد حرب تشرين التحريرية من قراءات ودراسات في مراكز ومعاهد الابحاث العالمية توصل الى نتيجة مفادها، ان سورية كسرت تابو الانغلاق الذي اريد لها وللعرب ان يبقوا فيه، وان هذا الانسان قد ولد من جديد، ويقظته تعني انه سيغير المعادلات المفروضة على المنطقة وكان التآمر على سورية وعلى دورها المحوري، وتوالت حلقاته تتكشف يوما تلو الاخر، تغيب حينا وتظهر احيانا اخرى. وما نراه اليوم من حرب عداونية ضروس ضد سورية ليس الا الحلقة الاعنف من حبائل التآمر و بعد ان تعرت اوراقهم كلها، وعلى المقلب الاخر، ان الصمود السوري الذي اذهل العالم كله، هو الجانب الذي كان يبنى ويترسخ ويرتفع ويزداد شموخا، اسسه القائد الخالد حافظ الاسد، بالفكر والمعرفة والثقافة والارتقاء بالغايات والاهداف، وتجذر مع السيد الرئيس بشار الاسد في كل نواحي الحياة، وكانت سورية السباقة الى جني ثمار المعرفة، والفكر، والازدهار و ماتحقق خلال العشر الاول من القرن الحادي والعشرين على مختلف الصعد يدلل على ان سورية المتجددة استطاعت ان ترفع البنيان، وكلما ارتفع ازدادت قوى التآمر شراسة, وما مضى من وقائع يدلل على صوابية ما نذهب اليه، والحرب العدوانية هذه هي المرحلة الفصل التي عرت الاعراب، وكشفت المعادن، واثبتت كم كان متينا بناء الانسان السوري، وكم كانوا والغين في التآمر علينا ليل نهار، وقد تعرت ادوارهم وظهروا أدوات طيعة في سلسلة العدوان على الامة ومقدرتها. وسورية التي بنت الانسان الحر الكريم، تؤمن انه هو القادر على مقارعة اعتى انواع العدوان، وان جذوره هنا راسخة, لانه ابن الارض والحياة، وليس تابعا لاي احد و غايته الكرامة ومهما اشتدت الهجمة فالطريق امامه نير واضح الاهداف والمعالم. |
|