تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الطبقــــــة الســياســــــية في الغـــــرب والضجيـــــج المنافـــــق

دراسات
الثلاثاء 18-9-2018
د: فايز عز الدين

عبر تاريخ الحروب الإمبريالية التي شنّها الغرب المتصهين على بلادنا كانت الأضاليل الخادعة تتصدّر الدعاية الإعلامية له. فمرةً جاء في حروبه الصليبية لكي يحمي المسيحيين في الشرق العربي،

وكأن هؤلاء ليسوا عرباً في بلادهم يستطيعون تقرير مصيرهم عليها دون حاجة لتدخل إمبريالي استعماري من أجلهم! ونتذكر أن نابليون حين فشل على أسوار عكّا أطلق استغاثته للأوروبيين لكي يساعدوه في فتح الطريق إلى القدس حتى أصبح هذا الحال الرسم الأولي لاتجاه الصهيونية الدينية نحو فلسطين وأكذوبة أرض الميعاد.‏

وحين عاد الأوروبيون بعد الحرب العالمية الأولى -التي مرّ عليها الآن القرن الأول- اتضح للمواطن العربي أن النزعة الاستعمارية لا تحمل في طيّاتها خدمة لأحد سوى لشركاتِ استغلالِ خيرات الشعوب، وفرض تقسيم العالم كلما تضرّرت المصالح الرأسمالية الإمبريالية، ومَنْ يدير حركتها من الماسونيّة المعروفة بأنها وراء كل تهديد للمصير المشترك للإنسانية جمعاء.‏

ومن غرائب الأطوار للطبقة السياسية التي تولّت قيادة التمدد الإمبريالي المتصهين نحو الشرق العربي، والشمالي العربي الإفريقي أن التركيز عندها كان يتم على استخدام الدين ذريعة لاستعمارهم، ولو أن عصبة الأمم قد رسمت لها خرائط انتداب حتّى تُغلَّف فكرة الاستعمار بغلاف يشي بأن هؤلاء الحضاريين قادمون لتعليمنا الحضارة، وبناء الدولة، وإشراكنا بخط التقدّم العالمي الذي لم نرَ منه سوى المزيد من القبض على حياة الناس بالمؤسسات التي هي في الشكل تمثيلية (المجلس الوطني) لكنها في العمل تحت سيطرة المستعمر بصورة مطلقة، وتذكر جماهير سورية الحكام العسكريين الفرنسيين الذين انتهت غطرستهم بقصف البرلمان السوري في 29/أيار/1945. ونتذكّر من تاريخنا وعود بريطانيا للعرب بعد التحرر من العثمانيين في عام 1916 كيف أتت لنا بسايكس-بيكو، ووعد بلفور، وعوّمتْ الوهابية لتقود النظام العربي، وكيف كانت ادعاءات حماية المسيحيين ذريعة دحضها المفكر العربي الكبير فارس الخوري وقصته ما زالت ماثلة في ثقافة كل سوري. ونلاحظ اليوم كيف غرّر الغرب المتصهين بأذنابه وشجعهم على هدم الجمهورية العربية ليأتي لنا بالأخوان المسلمين ويكون خطابهم لرئيس الكيان الصهيوني (بالصديق العزيز).‏

إذن إن أضاليل الطبقة السياسية الأوروبية، والأميركية لم تكن لخدمة أحدٍ عندنا دينياً أم سياسياً، ولن ننسى لهم أنهم ساهموا مع الإرهابيين الذين يدّعون الإسلام بتهجير المسيحيين من العراق، ومن سورية، مع أن آلة الميديا الدولية تحدثت عن التهجير ولم تتحدث عن الأدوات المأجورة سبب التهجير، وما يظهر به الغرب المتصهين مكشوف بأن ذريعة تدّخله تعتبر آنيةً حتى يغطّي مطامعه التي لم تكن في خدمة شعوب أوروبا، أو أميركا وإنما كانت وما تزال في خدمة الصهيونية، وقيام كيانها العنصري الاستيطاني على أرض فلسطين العربية، وفتح المجال لتمدّد هذا الكيان إلى الجغرافيا العربية من الفرات إلى النيل.‏

وآخر المخترعات في أضاليل الغرب أنهم حريصون على المدنيين في إدلب، وحريصون على عدم إجبارهم على النزوح، وقبل سنوات سبع ونيّف هم الذين أكرهوا أهالي إدلب، وغيرها على النزوح، وهجّروهم بسلاح الإرهاب التكفيري الغاشم ليجعلوا منهم وسيلة ضغط على الدولة السورية، وحين سقطت هذه الوسيلة بصمود الدولة عادوا اليوم ليستخدموها منعاً لتحرير إدلب. فالغرب المتصهين حريص اليوم على المدنيين رغم أنه لم يسأل عن ظلمهم تحت سيطرة الإرهابيين وقطع رؤوسهم لأن قطع الرؤوس باسم الإسلام يريده الغرب المتصهين طالما أنه يحقق له الهدف المرسوم وهو أن تتحول الحروب على أرض العرب إلى حروب دينية ومن ثم تتحوّل إلى طائفية ولا سيّما بين السّنة والشّيعة حتى تتحقق البيئة الإقليمية المناسبة لقيام الدولة اليهودية المدعومة من الغرب، والقادرة على فرض إرادتها على الأعراب المستخدمين في دائرتها لتشكّل معهم ناتو عربي وفق مخططات ترامب، ويتوجه الجميع لمحاربة إيران الشيعية، ولا يتوجهون لإنقاذ بيت المقدس من التهويد؛ وهذا هو ترامب يطرح توطين الفلسطينيين بالبلدان الموجودين فيها بعد أن أسقط حق العودة والقرار 194، ولا يجد من جامعة الأعراب ردّاً على صفقة القرن التي أتى بها، ولا حماساً ضده كما كان حماس الجامعة المعنيّة ضد سوريا طالما أنها ما زالت تعتبر فلسطين بوصلتها الحقيقية. وقد رأينا مؤخراً كيف اجتمع العسكريون من الخليج والأميركيون ومعهم من مصر، ولم يكن لأحد منهم مخاوف من إسرائيل، بل كانت الدعوة إلى توحّد الجميع في ناتو عربي ضد إيران فالعرب والأعراب في النظام الرسمي العربي لم يعدْ لهم عدوّ حقيقي (كما تعلّمهم أميركا ترامب المتصهينة) سوى إيران.‏

ومنذ أن احتل نظام صدام الكويت ساعدته أميركا وأدواتها على الاحتلال، كما ساعدته قبلها على حرب قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، ثم انقلبت عليه، واحتلت العراق لتُدخِلَ إليه خرائط تقسيم الدولة، وتفتيتها دولاً، وتنتقل إلى سورية، ولبنان ومن بعد الدول العربية الأخرى، فالمشروع الشرق أوسطي التدميري للدولة الوطنية العربية، والتفجيري للمجتمع العربي ما زال في رأس مشاريع أميركا الصهيونية؛ وما زال الطريق الوحيد لإخراج دولة سايكس_بيكو من الوجود وتقسيمها إلى كانتونات صغيرة.‏

وما التباكي الذي نراه من الطبقة السياسية الغربية على مدنيي سورية في إدلب خاصّة إلا نفاق غربي مكشوف وعليه لماذا لم يتحرك الأميركان الموجودون في التنف لمنع الدواعش من الهجوم على القرى الآمنة في السويداء بل ساعدوهم على الهجوم، وخطف المدنيين نساءً ورجالاً؟ فقط المدنيون في إدلب يهمون الغرب الصهيوني، حتى الكارثة التي تكلم عنها غوتيرس الأمين العام للأمم المتحدة لماذا لم يرها والمدنيون تحت ظلم الإرهابيين، أم إن حكم الإرهابيين في سورية للمدنيين يمثل غايةً في الديمقراطية من وجهة نظر ساسة الغرب المتصهين؟! كل ما يحدث من سُعار عالمي غربي متصهين لمنع معركة فجر إدلب التي يستعد لمباشرتها جيشنا الباسل، وحلفاؤه المخلصون دجل دولي اعتادت عليه جماهير شعبنا، وأصبح الناس يعرفون أن لو كانت حياة المدنيين تهمُّ الغرب المتصهين لما جهّز الإرهابيين وأدخلهم إلى بلادنا، ودعمهم لكي يحققوا سيطرة على مناطقنا ويهجّروا، ويقتلوا بأشنع حالة إرهابية للإسلام السياسي الذي اخترعوه لخدمة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية، وهذه هي نتائجه في التحالف مع أميركا وأوروبا وكيان الاحتلال الصهيوني، وتخليه عن احتلال فلسطين وتهويدها، وتهويد المقدّسات الإسلامية بدون أي وازع من ضمير، وها هم اليوم سوف يغطّون التمثيلية الإرهابية في إدلب كما فعلوا من قبلها بادعائهم الهجوم الكيمياوي من قبل الجيش في حلب والغوطة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية