|
ثقافة تقرأ رواية وتتشهى أن تمدك بحدث بموقف أو رؤية ما, لا فائدة تهويمات عابرة, ووقائع غرائبية لا تعرف أين تبدأ ولا اين تنتهي.
ولا يعني هذا بالتأكيد أننا ضد التطور والحداثة في الرواية, ان تقف عند زمن معين, وادوات محددة لا تغادرها, فهذا يعني اليباس والجمود والموت, ولكن ما نريده أن تكوت الرواية من ماء الحياة, ونبض الناس, تعيش معهم, تتطور بتطورهم, وتنشد آلامهم, وآمالهم, تعرف كيف وأين تفارق الواقع لتكون جراحا يداوي, نبحث عن مثل هذه الروايات التي تعيدنا إلى روايات الزمن الجميل, مع مفارقته زمنيا, وتجاوزه جماليا, لنكون أبناء اللحظة. ربما جاءت رواية قمر موسى للكاتبة غنوة فضة مترعة بمثل هذه الدلالات, والإشارات, منذ العنوان الذي يطالعك بالكثير من الايحاءات, فربما يشط بك الخيال إلى حالات تراثية, تذهب بذهنك إلى زمن موسى, وتسأل: عن اي قمر, ومن كان قمر موسى؟ أهو قمر رمزي, ديني اجتماعي؟؟
الرواية تجعلك منذ العنوان في متاهات الأسئلة, ولن تكون قادراعلى الوصول إلى جواب يقين وقطعي إلا بعد أن تشدك بتفاصيلها, وتغريك بمتابعة سيرة فتاة مترفة في أسرة علمية تعيش حياة البحث والعلم والمعرفة والقدرة على اجتراح الحياة, وصنع الأفراح من الموسيقا وغيرها, فتاة ليست من زمن صديقاتها, لا تعرف في بداياتها إلا القراءة والمطالعة والقدرة على الإنجاز, يغريها المطر الغزير الذي يشكل مشهدا جماليا معادلا للكثير من الخصب الذي افتقدناه, تدور أحداثها في اللاذقية, وربما شط بي الخيال إلى الكثير من الأماكن التي عرجت عليها دون الولوج في هويتها البصرية والمعمارية, ولا الخوض العميق في حكاياها. هناك قرب جامعة تشرين تخيلت بيت أم هارون المرأة التي كانت نقطة التحول في مسار الأحداث, وبيت قمر بعيد بعض الشيء إلى الجهة العليا حيث الأماكن مختلفة, والناس مختلفون, والمطر لايبدو بهيا غزيرا نقيا, كما هو قرب أشجار الكيان ولفحات الهواء. قمر التي تقوم بواجبها الانساني تمضي في سير الأحداث نحو قدر كان يرسم لها, لا تبتعد عما تدفعه وتغرسه الموسيقا من نبل وجمال, في النفس, لذلك كان من الطبيعي في مسار الأحداث أن تكون اليد الحنون التي تنهض بأم هارون من انزلاقها, وترافقها إلى بيتها, ثقافة الجمال لابد أنها تفضي إلى نبل إنساني وأخلاقي, ومن ثم لتبدأ حبكة الرواية وتطور العلاقة مع الفنان موسى الذي صار قمرا يضاف إلى حياتها, وهي قمره. صراع بين عالمين, بين فقر وغنى, بين طبقة لا تعرف إلا قشورا ومظاهر مزيفة, وأخرى تعيش نبض الحياة, قصص الحب العادية التي تبدأ هنا، تمضي إلى تعقيداتها ومواجهتها القدر المحتوم من قبل من يعيشون وراء الأفق الضيق, وراء الزجاج المعقم, لتمضي الرواية وقائع وأحداثاً تشي بالكثير مما نتوقعه في النهايات, تبادل الأدوار القدري بين موسى وقمره, وعودته نابضا بالحياة ليروي قمرا كاد ييبس. بلغة نقية مدهشة شفافة, وقدرة على توظيف مخزون ثقافي وفكري هائل تمضي غنوة بروايتها إلى مسارات أعادتنا إلى الزمن الجميل, والى التقاط مفارقات الحياة, وموضوع الحب النبيل الذي لايتغير, إنما الناس تتغير وتتلون وتتبدل, في الرواية قدرة لغوية تختزن وراءها ثراء من الدلالات والمعاني, ولسياق الأحداث أن يظهر كيف وظفت الكاتبة ثقافتها الاجتماعية والأدبية والنفسية في مسار أحداث شخوصها دون أن تبدو يدها بذلك. بؤرة جمال في زمن الحرب التي أفقدتنا الكثير من مظاهر الحياة والدهشة, قمر موسى, رواية من الزمن الجميل, بثرائها اللغوي, وصيرورة الأحداث والوقائع, والقدرة على خلق معادل موضوعي للأحداث تكون اللغة الثرة فيه حدثا نقيا شفافا يدعو للسؤال: هل الكاتبة أقرب إلى الشعر منها إلى الرواية؟؟ |
|