تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مختارات للشاعر الروسي سيرغي يسينين

ملحق ثقافي
2018/9/18
ترجمة د. ثائر زين الدين

الفتاة الفارسيّة‏

شاغانيه، يا فتاتي، شاغانيه ‏‏‏

ألأنني من الشمال؟‏‏‏

أراني مستعداً لأروي لكِ حَقلاً من الأحاديث؛‏‏‏

عن القمح المتموّجِ في ضوء القمر.‏‏‏

شاغانيه، يا فتاتي، شاغانيه‏‏‏

ألأنني من الشمال؟‏‏‏

ألأنَ القمرَ هناكَ أكبرَ بمئةِ مَرّة؟‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

لا أرى شيرازَ الجميلة‏‏‏

أفضلَ من سهوب ريازان ‏‏‏

ألأنني من الشمال؟‏‏‏

أراني مستعداً لأروي لكِ حقلاً من الأحاديث؛‏‏‏

إن شَعري هذا أخذتُهُ من السنابل،‏‏‏

خذي بعضَهُ ولفّيه حول إصبعكِ إن أردتِ‏‏‏

لن يؤلمني ذلك أبداً!‏‏‏

أنا مستعد أن أروي لكِ حقلاً من الأحاديث.‏‏‏

عن القمح المتموّج في ضوء القمر‏‏‏

خَمِّني بخصلاتِ شعريَ الأجعد‏‏‏

وافرحي يا عزيزتي وابتسمي‏‏‏

ولكن لا توقظي فيَّ ذاكرتي‏‏‏

عن حقولِ القمح، تحتَ ضوء القمر.‏‏‏

شاغانيه، يا فتاتي، شاغانيه‏‏‏

هناكَ في الشمال فتاةٌ أيضاً؛‏‏‏

تشبهكِ بشكلٍ مُذهل،‏‏‏

رُبّما كانت تفكّر بي الآن‏‏‏

شاغانيه، يا فتاتي، شاغانيه.‏‏‏

1924‏‏‏

***‏‏‏

لم أكن في يومٍ من الأيام في البوسفور؛‏‏‏

فلا تسأليني عنه،‏‏‏

أما في عينيكِ فقد رأيتُ البحر،‏‏‏

ملتهباً بنيرانٍ زرقاء.‏‏‏

لم أسرْ إلى بغداد مع القافلة‏‏‏

ولم أنقل إليها الحريرَ والحنّاء‏‏‏

احني جذعكِ الجميل،‏‏‏

واتركيني على ركبتيكِ أرتَح.‏‏‏

وثانيةً.. مهما رَجَوْتُكِ‏‏‏

فإن شأني لا يعنيكِ على الإطلاق،‏‏‏

وقد لا يعنيكِ أنني في روسيا البعيدة‏‏‏

شاعرٌ معروف وهام.‏‏‏

في روحي تتردَدُ أنغامُ الهارمونيوم‏‏‏

بينما أسمَعُ نباح الكلابِ، في هذهِ الليلةِ المقمرة.‏‏‏

لكن أخبريني أيتها الفارسيّة‏‏‏

ألا ترغبينَ برؤيةِ تلك البلاد الزرقاء البعيدة؟‏‏‏

أنا لم آتِ إلى هنا جراءَ الملل‏‏‏

أنتِ من دعاني أيتها المحجوبَة‏‏‏

وضمتني يداك التمّيتانِ ‏‏‏

تماماً كجناحين.‏‏‏

أنا منذ زمنٍ بعيدٍ أبحثُ في مصيري عن السكينة،‏‏‏

رغم أنني لا ألعنُ ما مضى من حياتي،‏‏‏

فحدّثيني أيّ حديث ترغبين،‏‏‏

عن بلادك الفَرِحة.‏‏‏

وأخمدي في روحي كآبةَ الهارمونيوم‏‏‏

واسكريني بأنفاس مفاتنك الطازجة‏‏‏

حتى لا أتنهد، ولا أفكر، ولا أشتاق،‏‏‏

إلى تلك الفتاة الشمالية البعيدة‏‏‏

ورغمَ أنني لم أكن في البوسفور -‏‏‏

فسأختلقُ لكِ شيئاً عنه.‏‏‏

ومهما يكن فعيناكِ كالبحر،‏‏‏

سماويتانِ محاطتانِ بالنار‏‏‏

1924‏‏‏

***‏‏‏

كلب كاتشالوف ‏‏‏

هاتِ يا جيم يدك عهداً على السعادة‏‏‏

أنا لم أرَ مثلَ هذه اليد من قبل‏‏‏

وتعالَ ننبحْ معاً في ضوء القمر‏‏‏

حيث الطبيعة هادئة وساكنة‏‏‏

هات يا جيم يدك عهداً على السعادة.‏‏‏

أرجوكَ يا عزيزي لا تلحسني بلسانك‏‏‏

وافهم معي أبسطَ الأمور؛‏‏‏

إنكَ لا تعي ما هي الحياة،‏‏‏

ولا تُدرك ما الذي يساويهِ أن نحيا فوق هذهِ الأرض‏‏‏

صاحبكَ طيّبٌ ومشهور‏‏‏

ترى الكثيرَ من الضيوف في بيته‏‏‏

وكل منهم يبتسمُ لك، ويرغبُ‏‏‏

أن يُداعبَ وبركَ الناعم.‏‏‏

أنتَ - بالنسبةِ للكلابِ - عفريتيُّ الجمال‏‏‏

لطيفٌ وطيب وتثقُ بنا‏‏‏

ودون أن تستأذن أي واحد منا‏‏‏

تتطفّل - كصديقٍ مخمور - لتقبّلَنَا‏‏‏

‏‏‏

يا عزيزي جيم، كم كانَ بينَ ضيوفِكَ‏‏‏

من أصنافٍ وأصناف‏‏‏

لكن تلك الأكثر صمتاً وحزناً من الجميع‏‏‏

أما مَرَّت فجأةً، وعلى سبيل المُصادَفة؟‏‏‏

إنها ستأتي، أضمن لك هذا.‏‏‏

عندئذ ثَبِّتْ عينيكَ عليها عَنّي‏‏‏

ولأجلي الحس برقّةٍ يَدها‏‏‏

مُكفِّراً عن كلِ ما اقترفتُهُ من ذنوبٍ وما لم أقترفه.‏‏‏

1925‏‏‏

**‏‏

أذكرُ يا حبيبتي، أذكر‏‏‏

بريقَ شعرك.‏‏‏

ما كانَ سهلاً عَليّ‏‏‏

أن أضطر لفراقِك.‏‏‏

‏‏‏

أذكر ليالي الخريف،‏‏‏

حفيفَ ظلالِ البتولا‏‏‏

رُبَما كانت نهاراتُ تلك الأيام قصيرة،‏‏‏

لكنَ القمرَ أضاءَ لنا طويلاً.‏‏‏

‏‏‏

أذكرُ أنكِ قلتِ لي:‏‏‏

«ستعبُر السنواتُ الزرقاء الجميلة‏‏‏

وتنساني يا عزيزي مع امرأةٍ أخرى، إلى الأبد»‏‏‏

واليوم أيقظت مشاعري ثانيةً‏‏‏

الزيزفونةُ المزهرة؛‏‏‏

كم نثرتُ - يومَها - الأزهار بحنان‏‏‏

في خصلاتِ شعركِ الأجعد.‏‏‏

‏‏‏

القلبُ ليسَ راغباً - بعدُ - بالانطفاء‏‏‏

ومن المُحزن أنه أحبّ سواك‏‏‏

إنه يتذكّرُكِ قصّةً حبيبةً‏‏‏

مع امرأةٍ أخرى.‏‏‏

1925‏‏‏

***‏‏‏

معطف سماوي اللون، عينانِ زرقاوان.‏‏‏

لم أقل لحبيبتي شيئاً من الحقيقة.‏‏‏

سألتْ حبيبتي: «هل تعصفُ العاصفة؟‏‏‏

أَأُشعِلُ الموقد، وأفرشُ الفِراش؟»‏‏‏

أجبتُ حبيبتي: «الآن، ومن الأعلى‏‏‏

ينثر شخصٌ ما أزهاراً بيضاء‏‏‏

أشعلي الموقد، وافرشي الفِراش‏‏‏

أما أنا ففي قلبي - بدونك - عاصفة».‏‏‏

1925‏‏‏

***‏‏‏

مساء أزرق، مساء مُقمر‏‏‏

كنتُ يوماً ما جميلاً وشاباً‏‏‏

طارَ كلُ شيء مُحاذياً إلى البعيد‏‏‏

فاراً من أيدينا، وغيرَ قابل للتكرار.‏‏‏

وبردَ القلبُ وكمدت العينان‏‏‏

أيتها السعادة الزرقاء! أيتها الليالي المُقمِرة!‏‏‏

1925‏‏‏

**‏‏

آخ، أيتها العاصفة، يا للشيطان ما أروعكِ،‏‏‏

تُسمِّرينَ السقفَ بمساميرك البيضاء‏‏‏

لكن ذلك لا يخيفني، فقدري‏‏‏

أنني مربوط إليكِ، بقلبي الطائش.‏‏‏

1925‏‏‏

**‏‏

سهوبٌ ثلجيّة، قمرٌ أبيض.‏‏‏

كفن يُغطي البلاد،‏‏‏

وأشجار البتولا بأرديتها البيضاء تبكي في الغابات.‏‏‏

من قُتلَ هنا؟ من مات؟‏‏‏

تُرى ألستُ أنا نفسي؟‏‏‏

1925‏‏‏

***‏‏‏

إلى اللقاء يا صديقي، إلى اللقاء ‏‏‏

أنتَ في القلبِ مني‏‏‏

إن فراقنا المقدّر‏‏‏

يعدُ بلقاءٍ قادم‏‏‏

وداعاً يا صديقي، دونَ يَدٍ، أو كلمة.‏‏‏

ولا تحزن، ولا تقطّب حاجبيك‏‏‏

فليسَ جديداً في هذهِ الحياةِ أن نموت،‏‏‏

وليسَ جديداً بالتأكيد أن نعيش.‏‏‏

1925‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية