|
شؤون سياسية إلى هذا التوجه نحو التعامل مع الواقع بحقائقه وليس بمظاهره, بمكوناته وليس باحتمالاته وليس بالمشهد الراهن منه فحسب وهكذا فإن خطين متوازيين ينظمان أصول وفاعليات الحدث السياسي الراهن في المنطقة العربية والإقليم عموماً, خط ما برح يعتمد قاعدة تغيير المعايير القائمة والمتجذرة في المنطقة والمتوزعة أساساً في عناوين كبرى هي الصراع العربي الصهيوني ومسألة السلام, امتدادات المشروع الغربي الاستعماري ووظائفه الشاملة في المنطقة العربية, موقع العرب على خريطة العالم بالمعنى السياسي والحضاري والتنموي, المزايا الأهم لحال الواقع العربي في الداخل, التموجات المحسوبة أو المفاجئة. التي تصدر عن الداخل العربي أو تفد إليه من الخارج إما بصورة مباشرة أو عبر جسور واصلة تنقل هذه التيارات مماوراء المحيطات إلى الواقع العربي نفسه, إن مجمل هذه العناوين وما يتفرع عنها هي الثوابت التي تتشكل منها مساحة الحقيقة في الحياة العربية المعاصرة, وهي بذاتها تشكل معياراً مهماً لمشروعية أي موقف عربي ولجديته ولمدى انضباطه على أسس الهوية ونظام الأولويات الذي حكم الحال العربي منذ مطلع القرن العشرين حتى تسعينيات هذا القرن إثر انهيار منظمومة الحركة الشيوعية ودولها الاشتراكية, هنا إذاً محاولات دائبة ودائمة يراد منها إجهاض هذه العناوين الكبرى واستبدالها بطريقة قسرية ومتدرجة بمعايير مضافة أو مستحدثة ثم إطلاق الجهد العربي عبر هذه الموجة المصنعة أي أن يكون منطلق الموقف السياسي والعملي هو بمواصفات أخرى هجينة فتتحول المسارات من الخارج إلى الداخل ومن الكل إلى الجزء ومن المستقر إلى المرحلي العابر ولعل هذه العناوين المضافة يمكن إدماجها في مسائل ضاغطة بالتأكيد لكنها مزودة بالتأكيد مثل, الصراع الداخلي في الحياة العربية, هو بين الإثنيات المتنوعة وهو صراع ديني بين مسلمين ومسيحيين أو هو صراع مذهبي بين سنة وشيعة كذلك الأمر في اعتبار أن الخطر على كل قطر عربي هو من الآخر العربي ولا توجد ثمة حماية أو أمان لأي إقليم عربي إلا بقدر ما ينتمي للقوى الخارجية يستمد منها لحظة الأمان ويعهد لها بوسائل الحماية, في حين يكون كل موقع عربي جاهزاً لتسديد فاتورة الاستحقاق مادياً وأدبياً. والعناوين المضافة هنا أيضاً كثيرة ووبائية أي إنها تشتمل على قابلية التمدد ونزعة العدوى من مصدر لآخر ومن موقع لآخر, وإذا كنا لا نعول كثيراً على أهداف الغرباء ومدى أخلاقيتهم فيما يفعلون فإن العوامل المساعدة لإنتاج قابلية تحتضن الموجات الغريبة في المنطقة تتمثل في الضعف العربي الداخلي ولاسيما عبر هوان النظام السياسي العربي بالمقام الأول وتخلي الأحزاب والقوى الطليعية عن مهامها والاندماج بمفهوم السلطة وطرح البرامج النفعية التي تحولت إلى قواعد محركة وأهداف جاذبة لهذه التنظيمات السياسية المتمورة, ثم يأتي هذا الدور المشبع بالجمود والتخاذل والذي وقعت في مساحته النخب العربية من المثقفين وأصحاب الفكر والإعلاميين والدعاة أيا كان انتماؤهم, على أن الطامة الكبرى وجدت لها مطرحاً في الحياة العربية حينما غزا العربي العربي واستنهضت هذه الفئة أو تلك مصادر نائمة لم يكن يبالي بها أحد حتى صارت اليوم مناخاً مستبدا مثل النزوع نحو الإثنيات والتقسيم الجغرافي لأي قطر وطرح مفهوم تقاسم الثروة والأرض عبر نظام المحاصصة وظهور الاتجاهات المتطرفة التي اختطف بعضها الاسلام وشوه بعضها العروبة, وخرب بعضها الثالث الوطنية واشتركت جميعها في فكرة شيطانية أساسها اجتثاث القومية العربية, ونعترف بأن هذه المعايير المضافة وجدت تلبية مفزعة في الداخل العربي وباستمرار هناك نقطة لقاء بين العدو الخارجي وشرائح من أصحاب النفوس الضعيفة الباحثين عن السلطة والثروة والمندفعين نحو تحقيق الذات المفرغة والخاوية بأي, ثمن, إن المستعمر يجد أدواته وأعوانه في الداخل على مدى التاريخ وفي كل أمم الأرض. وأما عن الخط الثاني المتوازي مع الأول الداعم له, والمتوحد في خلاصاته معه فهو يتمثل بالآليات والأساليب المستجدة للتعامل مع الواقع العربي وعبر ذلك نرى أن ثمة اعتماداً لمنهجية ضبط السياسة وإطلاقها من خلال النوافذ غير المحصنة أو التي لم يكن لها هذه الأهمية الراهنة, هناك اعتماد على آلية الأبواب الخلفية والطرق الالتفافية والدخول من نقاط الضعف والاختراق من المسافات المهملة في المساحة السياسية والفكرية في الداخل العربي وبهذا المعنى. فإن القوى صاحبة المشروع لا تكتفي بالمحاولات المتكررة لنقل المعايير المضافة إلى الداخل العربي وإنما تتعمد بإيقاع سادي أن تجعل الشك والريبة هما الأساس في تفسير أي سلوك عربي والأمثلة كثيرة, هم يقولون هناك محاور في المنطقة وهناك خيارات تجري تحت الطاولة وهناك بيع وشراء يمارسه هذا البلد العربي أو ذاك وهناك مقايضات تجري ولا تبعث على الاطمئنان وبالمحصلة فإن كل شيء خضع لمنطق التشكيك والتأويل المتعسف حتى ولو كان انجازاً تاريخياً كما قدمت مثاله المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان عبر العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني في صيف العام 2006 أو من خلال الموقف السياسي السوري الواضح بهويته وأهدافه لمساعدة الأشقاء في لبنان على الخروج من دوامة الضياع وللأخذ بيد الفصائل الفلسطينية للتخلص من هوس الاقتتال وعبثية الشعارات المؤلمة وإذا ما تقدمنا خطوة في محاولة لتجسيد بعض هذه الخيارات وأساليبها فإنه يمكننا التقاط بعض العناوين الدارجة الراهنة, هم يقولون إن سورية قد طلقت أوروبا وتستعد للخطوبة من الولايات المتحدة الأميركية وهم يقولون إن دمشق تخلت عن المقاومة في العراق وقايضت على ذلك بمواقف محدودة من الغرب, وهم يقولون إن دمشق هي التي تتدخل في لبنان عبر الحدود وفي فلسطين عبر السماء وفي العراق عبر إيواء المناهضين للاحتلال الأميركي, بل إنهم يتعسفون أكثر ليعلنوا أن دمشق اختارت دولة خارج المنطقة يقصدون إيران لتكون سنداً ومرجعية لها بعد أن خسرت دورها في لبنان ولا ينسى هؤلاء أن يجروا هذه الموازنة المفتعلة حيث تكون إيران هي اللاعب الأقوى والأبرز والأكثر تأثيراً في ملفات المنطقة كلها, والغريب في الأمر سرعة انتشار المادة الإعلامية والسياسية حول هذه النقاط التي تضج بالسموم وتفوح منها رائحة الكراهية والحقد, لقد اتخذوا من مشاركة سورية في مؤتمر بغداد على سبيل المثال وبمستوى معاوني وزراء الخارجية منصة أطلقوا من خلالها الفلسفات والمسارات العريضة باستثمار إشارات بسيطة مبسطة أساسها واضح على من ينشد الحقيقة ويتعامل بموضوعية مع الوقائع, إن سورية رقم أساسي وصعب في المنطقة العربية والإقليم عموماً, لها هويتها ومنهجها ومصالحها وبالمقابل لها فاعلياتها وحيويتها في تأمين أي مجهود يمكن أن يساعد الأشقاء العراقيين على إنهاء, ظاهرة الاحتلال والحفاظ على استقلال هذا الوطن ووحدته وسيادته ثم جاءت هذه الزيارة للمنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا إلى المنطقة عموماً وإلى سورية على وجه التحديد وهنا قامت الدنيا ولم تقعد بعد وكأن هناك انقلاباً مفاجئاً أصاب المنطقة بكاملها لم يدركوا أن سورية لا تقايض ليس لأنها قوية فحسب بل لأن منسوبها الأخلاقي والإنساني والحضاري يستعصي على أي خطوة يريدونها للإساءة لسورية, لم يفهموا أن سورية لم تتغير وأن الآخرين في واشنطن وفي باريس وفي بلجيكا مقر الاتحاد الأوروبي هم الذين استغرقتهم الأزمة وسقطوا في شراكها بعد أن قدمت المقاومات العربية في لبنان وفلسطين والعراق ما يكفي لزلزلتهم واكتشاف مناطق المرض والعفونة فيما أقدموا عليه من فعل مشين وانجراف عفن نحو المنطق الصهيوني والأمريكي وحينما أعادوا عملية التقويم والتوزيع اكتشفوا ما هو ليس بجديد أن سورية المفتاح الأهم لكل أزمات المنطقة وقد تتقاطع عليها سيوف المعتدين, لكن لحظة لا بد منها تأتي حينما تتقاطع فيها كل موجبات الحلول العادلة والاختيارات المشرفة, وندرك تماماً هذا التلون في خطاب المسؤول الغربي حيث يطرح الشيء ونقيضه, يذعن بلا إرادة منه ثم يلوث هذا الإذعان بافتراءات وطروحات ذرائعية, لقد غير سولانا في درجة خطابه من عاصمة عربية لأخرى وهناك من قال إن الاتحاد الأوروبي يعطي الفرصة الأخيرة لدمشق, وفي منحى آخر رأينا هذا التداول لأفكار غريبة في مؤتمر بغداد إذ في اللحظة التي يدعون فيها للمؤتمر كانت وزيرة الخارجية الأمريكية تطلق هوسها لتقول إننا سنطلب من سورية أن تكف عن التدخل في الشؤون العربية, هكذا إذاً صارت ملكة الدبلوماسية الأمريكية هي الحريصة على استقرار العلاقات العربية وسورية العربية صارت عامل الأزمة ومصدر الاحتقان أو التشظي في الوطن العربي نفسه, ومن المؤسف أن تأخذ بعض المواقع الاعلامية في الوطن العربي بهذا المنطق, وتروج له وتنفخ في الفواصل الصغيرة لعلها تطرحها كمادة لملء الجغرافيا العربية والإعلام العربي والسياسات العربية المنخورة أساساً والمخترقة في أكثر من موضع فيها, وعبر ذلك تأتي الموجة التطبيقية الراهنة في الحديث عن احتمالات انعقاد مؤتمر القمة العربي في الرياض, وهناك من يتبنى أفكاراً غريبة كأن يقول إن حالة من عدم الانسجام قائمة ومستحكمة في العلاقة بين دمشق والرياض. أو بين دمشق والقاهرة وإنه لابد من استحقاق تقدمه سورية لكي تكون الطريق ممهدة لانعقاد جلسات مؤتمر القمة في السعودية,والنماذج كثيرة في هذا الاتجاه وهي تلح جميعاً على الترويج لنقطتين أولهما أن سورية ضعيفة ومستجدية في هذه المرحلة وهي في حاجة إلى من ينقذها وثانيهما أن سورية لديها نسق آخر خفي وباطني في التعامل مع الأشقاء العرب وأن ما يظهر على السطح ليس أكثر من تورية لما هو كامن في العمق , وأنا لا ألوم هذه القوى المتوزعة من الخارج إلى الداخل العربي والمتفاهمة على نقل هذه الأفكار المسمومة عبر كل وسائل الإعلام باللغة العربية أو باللغات الأخرى , الآن فطنوا إلى هذا المنسوب الخبيث في التعامل مع سورية وبعد أن أحاق المكر السيىء بأهله وانقلب السحر على الساحر وصارت سياسة أميركا بكاملها على كف عفريت واكتشفت أوروبا بأنها قد عزلت وأقصيت وأهينت في هذه اللحظة عادوا باحثين عن النجدة في الموقف السوري المتداول, لكن القوى الاستعمارية والمنهارة لا تملك شجاعة الاعتراف بذلك , لأن الأمر عندها سوف يحتسب على أنه نقطة خسارة للقوى الموبوءة ونقطة ربح لمشروعية الموقف السوري المعروف, وهم لا يريدون أن تمسك دمشق بمقومات النقطتين معاً فذلك أمر غير وارد في جدول أعمالهم أو في منطق حساباتهم ولنأخذ بعين الاعتبار على سبيل المثال لا الحصر هذين العنوانين, الأول منهما يقول بأن اللقاء على مستوى القمة بين سورية والسعودية غير ممكن وغير وارد وينسى هؤلاء أنه لا القمة انقطعت عن بعضها ولا العلاقات الطيبة جمدت أو محيت بإرادة ومشيئة غريبة والعنوان الثاني يقول إن زيارة خافيير سولانا لدمشق هي التحذير الأخير لسورية لكي تعدل في موقفها وتنصاع للسياسات المعتمدة في الغرب وتنضوي مثل قطعة قماش غير مجدية تحت ظلال قرارات مجلس الأمن المعروفة وهكذا فإن هذه الزيارة هي عود على بدء وتذكير بظروف زيارة المسؤول الأوروبي لدمشق قبل صدور القرار الشهير .1559 نعود لأصل الفكرة وهي القائمة في الخطين المتوازيين استبدال المعايير الأصيلة بالمعايير المضافة المستحدثة وكذلك الانطلاق من منطق المزاج ومن النوافذ المهملة لتفسير هذا الحدث السياسي أو ذاك ونحاول الاستدلال من هذه الحال على ما هو مستقر ومؤثر في هذه المرحلة في سلوك وقرار المجموعة الغربية بشقيها الأميركي والأوروبي وباستطالاتها عبر الكيان الاسرائيلي وما يفعل والنماذج العربية التي هانت على نفسها وارتضت بمنطق التبعية وروادها ذلك الحلم السخيف بأن حصتها محسوبة ودورها محط تقدير والزمن الآتي سوف يحفظ لها هذه الوجاهة وهذا النبوغ المتكلف على حساب الدم العربي والحق العربي والكرامة العربية, إن المعنى الأساس مازال يلح على أن القوى الاستعمارية وذيولها يقرون بالمأزق ولكنهم ما برحوا يتشبثون بأي مقادير وبأي وسيلة يمكن أن تقدمهم للداخل العربي وأمام أنفسهم على أنهم مازالوا يحتفظون بقوتهم وسطوتهم ويمتلكون مقاليد الأمور وزمام المبادرة, إن الخطر في مثل هذا السلوك يتحصل حينما تغيب الحقائق أو تغيّب وحينما تختلق المعاذير وتضطرب الرؤية السياسية ويكون ذلك مقدمة لهستيريا لا تعي ولا تعقل سوف يجد الجناة أنفسهم مجبرين عليها مأخوذين بها وعند هذه النقطة تندفع كل الضرورة لاحتمالات صعبة ولحسابات لابد أن يأخذها العرب بعين الاعتبار. |
|