|
لوموند- بقلم روبرت ماليه* لقد انتهجت الدول الغربية منذ استلام حركة حماس الحكومة الفلسطينية في شهر آذار من عام 2006 سياسة تتلخص في التالي: مقاطعة مالية ودبلوماسية طالما لم تلتزم الحكومة بقيادة حماس بشروط اللجنة الرباعية: وهي الاعتراف ( بإسرائيل), التخلي عن العنف, الموافقة على الاتفاقيات الموقعة سابقا, والهدف المعلن هو إفراغ حماس من هدفها الايديولوجي, ولكن الهدف الذي لم تستطع تلك الدول إخفاءه فهو إرغام الشارع الفلسطيني وبسبب عجز حكومتهم في إدارة البلاد, الانقلاب ضدها, وبالتالي يعود إلى السلطة أولئك الذين لفظتهم صناديق الاقتراع, وما المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى بعض الأطراف الفلسطينية إلا تكملة لتلك اللوحة حيث كانت تعول واشنطن كثيرا على المواجهات بين الفلسطينيين. وقد نالت تلك الاستراتيجية حقها في النقاش من حيث المبدأ ولكن على صعيد التطبيق العملي كشفت عن كارثيتها فمن ناحيته بات موقع رئيس السلطة الفلسطينية الآن هو الأضعف منذ ما يقارب العام. فيما حركة حماس لم تنحن البتة أمام مطالب اللجنة الرباعية وحتى وإن فقدت حماس بعضا من شعبيتها فإنها مستمرة في السلطة وليس في نيتها البتة التنازل عنها, ومن ناحية اتفاق وقف النار بين (إسرائيل) والفلسطينيين فمنذ ولادته كان هشا ضعيفا, أما مسيرة عملية السلام فتتنازعها سكرات الموت, وسوف تبتعد المقاربة التي اعتمدتها اللجنة الرباعية عن أهدافها المحددة على كافة الصعد سواء الأمنية, السياسية, الاجتماعية, الاقتصادية, المؤسساتية والدبلوماسية. ويقدم اتفاق مكة بين حماس وفتح فرصة ذهبية لقلب تلك الصفحة السوداء انطلاقا من الأرضية التي بني عليها هذا الاتفاق, وهي معادلة لا غالب ولا مغلوب, وإن المواجهة بين الأشقاء تهدد بالانزلاق نحو حرب أهلية وقد جرى التفاهم بين الطرفين لتشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع نهاية للصراع بينهما, وبالتالي يترتب على المنظمتين إظهار الكثير من الليونة في مواقفهما من بعضهما, والسيطرة على الشارع الفلسطيني.. ولكن نجاح اتفاق مكة مرتبط أيضا وفي كثير منه بالموقف الدولي وقد ارتفعت أصوات تحيي بخبث ورياء الجهود السعودية للتوصل إلى هكذا اتفاق, ويطالبون الحكومة المقبلة بالالتزام بالشروط المفروضة سابقا, وطبعا لإنجاح هذا الاتفاق لا يمكننا أن ننتظر خيرا من إدارة الرئيس بوش فماذا بشأن أوروبا? ألم تتعلم شيئا من هذا الإخفاق الجماعي? إن المطالبة بالالتزام بشروط الرباعية يعني العودة إلى التفاوض من جديد باتفاق مكة, أي نسفه من أساسه, والخط الذي تسير عليه حركة حماس يبرر وضعها أمام اختبار: فهل هي على استعداد لقبول وفرض اتفاق وقف إطلاق نار متبادل? وهل هي على استعداد لإطلاق يد الرئيس عباس كما ينبغي بصفته زعيما لحركة التحرير الفلسطينية وتفويضه في التفاوض مع (إسرائيل)? وهل هي موافقة على إخضاع أي اتفاق يوقعه عباس إلى استفتاء, والتعهد بالالتزام بنتائج الاستفتاء? وعوضا عن انتظار الرد, استند بعض الزعماء الأوروبيين على ضرورة الالتزام بخط واحد عبر شطي الأطلسي.. وهذا معناه الخلط بين الأهداف والوسائل, ومن الطبيعي تحقيق تضامن مع الولايات المتحدة, ولكن ليس بأي ثمن كان, وليس على حساب الابتعاد عن أي منطق وعقل, إن تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية أمر حتمي وضروري, وهو الشرط المسبق لإحراز أي تقدم سواء أكان تقدما على صعيد تفادي حرب الأخوة, أو استقرار الميدان الفلسطيني وإعادة بناء المؤسسات ووقف العداء بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أو حتى عودة حقيقة لمسيرة السلام, بينما الإسهام في إفشال اتفاق مكة, ,مقاطعة حكومة جديدة تضم بعض الزعماء الفلسطينيين الأكثر براغماتيكية على الفور وكذلك الاستمرار في حرمانهم من وسائل الحكم, هو ضمان السير في الاتجاه المعاكس غير المضمون والمأمون, ولرد الفعل الأوروبي هذا, وضرورة أن يشكل صدى للمواقف الأميركية وجهان: الأول الإيمان المفرط بالموقف المتصلب الأميركي والثاني القناعة غير الكافية بمقدرات أوروبا. وأن تعبر أوروبا, على العكس من ذلك انطلاقا من قناعة وإصرار عن مواقفها التي تتخذها وتعمل على تطبيقها على أرض الواقع بدعم من الدول العربية فالولايات المتحدة حينها سوف تعمل على التوافق مع تلك المواقف مضطرة, وعلى أوروبا أن تتوقف عن الالتجاء خلف حكومة لم يبق لها في الحكم سوى أقل من عامين وكذلك الاضطلاع بأمانة بمسؤولياتها الفعلية. * مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية |
|