تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يوم كبير للجاهلية الكبرى

معاً على الطريق
الثلاثاء 27/12/2005م
نبيه البرجي

نتنفس الصعداء, تتهلل اساريرنا, حين نكون على هذا المستوى من التخلف!

هذا امتياز (إنساني على الأقل) حين نظل على تلك المسافة الهائلة من العصر الذي هو مصنع لامتناه للقلق, والتشتت, والعبث. عصر وصفه أوجين يونيسكو ب (مستودع العدم).‏

الحمد لله عز وجل أننا ما زلنا خارج هذا المستودع نرتع بالملابس الزاهية, بالمقاعد الوثيرة, بالفنادق الفاخرة, بالعمارات التي تعود إلى الألف الثالث بعد الميلاد, بالسيارات الفارهة, بالطائرات الخاصة التي هي عبارة عن فيلات طائرة, بالآهات التي لا تزال تنبعث من عباءة شهرزاد, بالأحلام المستقبلية التي تتوقف, في أحسن الأحوال عند ... تأبط شراً!‏

هذا يوم كبير للجاهلية الكبرى, كما لو أن النص لم يقل بالتقاطع الالهي بين عبقرية العقل وعبقرية الحياة.‏

الشاشات تفضحنا (هل حقاً أننا صحراء بشرية إلى هذا الحد?). المؤتمرات تفضحنا(هل حقاً أننا عبارة عن كوميديا لغوية تبدأ بالفراغ وتنتهي بالفراغ?), الانجازات التكنولوجية تفضحنا (هل حقاً أن يعرب بن قحطان ترك وراءه كل هذا القطيع من السلاحف?).‏

أجل, واننا لا ننتج شيئاً: المؤسسات المشتركة معطلة. إن حاولت أن تتحرك, تحركت فينا كل ما زرعته القرون الوسطى في أرواحنا. لكأننا لا نزال نحتفظ بأرواحنا فعلاً...‏

هناك مشكلة. أين نحن ? لم يعد الوضع يحتمل أكثر مما يحتمل. ندرك, وبكل وضوح ان الأرواح الشريرة تتولى إدارتنا كما الدمى. هذا التخلف لا يخضع لأي جدلية, ولأي منطق. إنه مرض عضال, لامشكلة إذا ما تألمت الروح, وقد وضعناها جانباً. لامشكلة إذا ما تألم العقل, وقد وضعناه جانباً. أجسادنا في أحسن حال ما دامت ألف ليلة في أحسن حال...‏

لا فلسفة تحكم هذه الشخصية التي انتجت ابن الهيثم, وابن رشد, والرازي, والخوارزمي, لا استراتيجية تضيء الطريق أمام هذه الشخصية التي انتجت خالد بن الوليد,وعقبة بن نافع, وسعد بن أبي وقاص, وصلاح الدين الأيوبي...‏

كيف يمكن أن نمضي بكل تلك الموارد البشرية, لننس أننا نحتل المرتبة الأولى في جدول الأمية والأميين, وبكل تلك الموارد الطبيعية التي تذهب هباء إلى الصناديق أو إلى الخرافة, من دون استراتيجية سياسية واقتصادية وفلسفية. أجل فلسفية لأن المفهوم القبلي للدولة, وحتى للأمة, يبقي الدولة ويبقي الأمة على حالها من الغيبوبة والغباء...‏

أمة اليوم الواحد, واللحظة الواحدة, بينما الآخرون يضربون بعيداً في الزمن. المختبرات تتناسل, معاهد البحث, الأدمغة. أما أدمغتنا التي تحتار في أمر هذه الأمة. الأدمغة المجنحة تطير إلى أي مكان آخر, الإنسان فيه الإنسان, والمستقبل فيه المستقبل...‏

...ولماذا?‏

نعلم أن كل كلام اعتراضي يذهب إلى صندوق القمامة. لا قيمة لأي مثقف إلا إذا أخذ شكل الدجاجة وراح يصيح في أرجاء البلاط. الآخرون يديروننا? أجل. لماذا لا يفعلون حين تصبح الثقافة مزرعة للدجاج?‏

صياح في أرجاء البلاط...!‏

* كاتب وصحفي لبناني‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية