|
دراسات دولة القانون والدستور والمؤسسات الى النظام الرئاسي المركزي الذي يتربع على عرشه ما يمكن وصفه بالامبراطور أو الملك مع فارق أنه ينتخب كل أربع سنوات..وعند هذا التحول فإن التخوف يأتي الآن من ديكتاتورية الفئة المسيطرة على القرار الأميركي, وذهابها نحو أهداف بعيدة تحت ستار ( الأمن القومي) وخلقها المشكلات والذرائع, بل خلق جبهة الأعداء, واستهدافهم بما يحقق مصلحة صهيونية في ظل الفوضى العالمية وغياب القيم وتحت لافتة العالم الكوني والمكشوف ليقيموا الجدران والحواجز والمحطات كما يشتهون ويرغبون وعلى أساس تحديد جبهة الأعداء, يكون القرار الأعلى الذي توصي به أوتقره تلك الفئة, والتشريع اللازم لاستهداف ذاك العدو ( المزعوم) قبل ظهوره أو يلاحقه في كيانه الجغرافي, صغيراً كان أم كبيراً والتجربة تثبت أن الرئيس الأميركي أصبح أكثر قدرة على استغلال السلطة وتركيزها في البيت الأبيض عبر تضخيم جهاز الموظفين في إدارته بالتعينات السياسية لطاقمه دون خضوع لأي رقابة أو تصديق من السلطة التشريعية. وعن خطر هذا التحول يقول الباحث د. منذر سليمان: ( في ظل الوضع الشاذ الذي يحول الرئيس عملياً إلى امبراطور أو ملك بصلاحيات استثنائية يمارسها عبر الأدوار التنفيذية أو المذكرات الرئاسية تنامى دور مستشار الأمن القومي لدرجة تجاوزت أي مرحلة سابقة في التاريخ الحديث والتي شهدت في إدارات سابقة توتراً ومنافسة بين المستشار ووزيري الدفاع والخارجية, وخير دليل على الوضع الجديد هو الدور الهامشي والتابع لوزير الخارجية كولن باول سابقاً (رغم استثناء رايس لأنها تمسك بموقع مستشار الأمن القومي وخصوصية علاقتها مع بوش) إن خطورة الوضع الدولي الراهن والتحديات الجسام التي تواجهها الولايات المتحدة تفترض إعادة النظر بالطريقة التي تحكم فيها واشنطن بما فيها طبيعة النظام الرئاسي كما تخيله الآباء المؤسسون ولقد ثبت بالتجربة أن هناك ثغرات جوهرية يعاني منها النظام السياسي الأميركي تبدأ بطبيعة النظام الانتخابي الذي يتم بموجبه انتخاب الرئىس الأميركي, وما جرى في انتخابات عام 2000 وفي انتخابات 2004 دليل ساطع على ضرورة معالجة هذا الخلل الخطير ولاتنتهي بضرورة تعديل قانون سلطات الحرب بما يكفل في التطبيق العملي إناطة أمر شن الحروب وإعلانها بالكونغرس كما رغب الآباء المؤسسون وليس الرئيس وتقنين الحالات التي يمكن للرئىس استخدام القوة العسكرية خارج حدود الولايات المتحدة وتقليص الفترة الممنوحة لتصديق الكونعرس من 60 يوماً إلى عشرة أيام وبإمكان أي رئىس أميركي أن يتورط عسكرياً في أي مكان من العالم. خلال ساعات أو أيام ويفرض أمراً واقعاً على الشعب الأميركي وعلى الكونغرس الذي لن يكون أمامه حق الممارسة الدستورية في معالجة الأمر قبل الوصول إلى حافة الهاوية... وعن الحديث عن صناعة القرار الأميركي يشير الباحث د.سليمان إلى القوى والمصالح الأساسية المحركة وهي ( المجمع الصناعي الحربي) ومشتقاته وتفرعاته والمجمع النفطي المالي وتفرعاته, إضافة الى المجمع الفكري الذي يصوغ المصالح والإدارة المتابعة والمنفذة والمروجة لهذه المصالح والتي تتقاطع بين الجهاز التنفيذي والاعلام والاستشارات..) ومصانع الأفكار تؤثر في صناعة القرار الأميركي حول السياسة الخارجية عبر وسائل رئيسية, صنفها ريتشارد هاس المدير السابق للسياسة والتخطيط في وزارة الخارجية الأميركية الأميركية. بالتالي: 1- إتناج أفكار خلاقة وجديدة واقتراح خيارات للسياسة الأميركية. 2- توفير مخزون جاهز من الخبراء ليتبوؤا مناصب رئىسية. 3- تقديم صيغة جدية للحوارات حول القضايا الجوهرية. 4- تزويد المواطنين الأميركين بمعلومات وتحليلات عن الشؤون العالمية. 5- مساندة المساعي الرسمية بالتفاوض لحل النزاعات الدولية. ومهمة خزانات الفكر أو مصانع الفكر هي جسر الهوة بين الأبحاث الأكاديمية والممارسة العملية وصعود دورها تلازم مع بروز وصعود الولايات المتحدة كقوة قائدة على المستوى الكوني. ويتحدث الباحث هنا عن بروز هذه المؤسسات منذ بدايات القرن العشرين وتزايدها في القرن الحادي والعشرين حيث يشهد المسرح السياسي الأميركي وجود أكثر من 1200 مؤسسة متنوعة الاتجاهات يمكن تصنيفها في دائرة مخازن الفكر مثل معهد الاقتصاديات الدولية ومعهد الحوار الأميركي الداخلي ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المعروف بأنه الذراع الفكري والسياسي الضارب للمصالح الاسرائيلية في واشنطن, ومعهد الدراسات الاستراتيجية والدولية, ومعهد بروكينز ومعهد راند والمعهد الأميركي للسلام ومجموعة الأزمات الدولية ولجلب الانظار إلى نشاط مراكز البحث أو خزانات الفكر تستغل هذه المراكز أقنية متنوعة لترويج أفكارهاو مواقفها وتسويقها عبر نشر مقالات الرأي وإصدار الكتب والمجلات الفصلية والدراسات والتقارير الموسمية وتحرص على تكريس الحضور الاعلامي لإبراز خبراتها ومحلليها عبر المقابلات الصحفية والإذاعية والتلفزيون كما تركز على أن تستعين لجان الكونغرس المختلفة بخبراتها في جلسات الاستماع والشهادات التي تجري دورياً للتأثير على الخيارات السياسية. وتعقد المؤتمرات والحلقات الدراسية للتركيز على القضايا الساخنة والتأثير على صناعة القرار في الإدارة الأميركية كما تلعب مواقع الانترنت التي ترعاها دوراً بارزاً في تسويق أفكارها ومواقفها بصورة واسعة وتقديم أفكار ومفاهيم وخيارات سياسية جديدة للتأثير في توجهات السياسة الأميركية الخارجية. ومنذ هجمات 11 أيلول عام 2001 أصدرت معاهد بروكينز عدة دراسات لعبت دوراً فاعلاً في النقاشات الدائرة داخل الأجهزة الحكومية الأميركية حول التوجهات الاستراتيجية والهيكلية التنظيمية الضرورية لمواجهة خطر ما يسمى ( الإرهاب الدولي) ضد الولايات المتحدة. وأصبح معروفاً في الحياة السياسية الأميركية ما يطلق عليه ( الباب الدوار) أي أن هناك العديد من كبار المسؤولين ينضمون إلى الولايات المتعاقبة قادمين من مراكز الأبحاث ومن ثم بعد انتهاء وظيفتهم ينتقلون إلى مراكز الأبحاث وبعد انتظار فترة يعودون إلى المناصب الحكومية مع إدارة جديدة وهكذا دواليك. وفي إدارة الرئيس بوش الحالية يحتل مناصب رفيعة مسؤولون قادمون من مراكز الأبحاث أو خزانات الفكر, ففي الخارجية مثلاً ريتشارد هاس الذي سبق تنقله في مناصب رفيعة في عدة معاهد أميركية, ويولا دوبر نيسكي نائبة وزير الخارجية للشؤون العالمية, وجون بولتون الذي كان رئيساً لقسم شؤون المحيط الهادي في مراكز الدراسات الاستراتيجية والدولية, وكيم هولمز مسؤولة شؤون المنظمات الدولية حالياً في الخارجية حيث كانت نائب رئيس معهد التراث وبول وولفوتيز الذي كان رئيسا لمعهد جون هوبكينز وبيتر ودمان, مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي الذي كان مديراً لبرامج الأمن القومي في مركز نيكسون. واللافت هو افتقار العالم العربي لمثل هذا التقليد أو الدور المؤثر لمراكز الدراسات, إذا ماوجدت حيث تخضع في غالبها للتوجهات الرسمية. ويبقى السؤال عن مصير النظام العالمي وعلاقة الوضع في العراق بذلك حيث يرى العديد من المتابعين أن الوضع الميداني هو الذي سيقرر ذاك المصير خاصة الاستنزاف البشري والمادي للقوات الأميركية في العراق. وكلما ازداد الضغط على تلك القوات زاد التأثير الداخلي على الموقف السياسي, فالداخل الأميركي منقسم أصلاً والمجتمع الأميركي لديه الكثير من المشكلات, والعالم كله مسؤول عن إقناع الشعب الأميركي لرفع وتيرة معارضته وردع التوجهات الأميركية الحالية. وكلما زاد تورط المحافظين الجدد بأفكارهم الصهيونية وخدمتهم لاسرائيل في مغامرات خارجية سوف يزداد الانقسام والتراجع الداخلي أولاً عن متابعة مبرراتهم وسوف تزداد المسافة بينهم وبين الحلفاء أو الواهمين بقدرتهم في السيطرة على العالم, ليؤهل ذلك مناخاً مناسباً يعلن أفول الامبراطورية الأميركية تحت شعار ( ديكتاتورية الامبراطورية.. قبر العالمية). |
|