|
دمشق التي يسطرها أبطال الجيش العربي السوري في ساحات الوطن وهم يخوضون حربا شرسة في قسوتها وعدوانها واستهدافها لجميع مظاهر الحياة .
اليوم ومع الاحتفال بذكرى الانتصار في السادس من تشرين الأول 1973 انتصار الإرادة على الخوف وانتصار المظلومين على الظالمين القتلة كل ذلك يؤكد خصوصية الانجاز الذي حققته سواعد وبطولات قواتنا المسلحة الباسلة ومعهم جماهير شعبنا الأبي الذين سطروا أروع ملاحم البطولة والتضحية والصمود فحطموا أسطورة الجيش الذي لا يقهر وكتبوا بالتضحيات والدماء الطاهرة انطلاقة عصر الانتصارات، واندحار منطق الهزائم الذي عشش في قلوب ونفوس العربان المستعربين، الذين ارتضوا لأنفسهم وما زالوا، دور التابع والرهينة والأجير فاستحقوا غضبة شعوبهم ولعنة التاريخ. الدولة بمؤسساتها الحاضر الأبرز السوريون ومعهم الشرفاء المقاومون في الأمة يتذكرون كلمات القائد الخالد صبيحة ذلك اليوم مختصرا أهداف الحرب وضروراتها وحتميتها ( لسنا هواة قتل وتدمير ، لكننا ندفع عن أنفسنا القتل والتدمير) تلك الكلمات التي حفرت في العقل والوجدان وعكست تلاحم القائد مع شعبه لاستنهاض الهمم وحشد الطاقات لعملية المواجهة ..هذه الدروس على ما فيها من الدلالات كانت وما زالت تقدم الدليل الساطع على أن العدو هو ذاته مهما بدل جلده ولبس ما طاب له من الأقنعة وغير من أدواته وبدل من أساليبه لن يقبل بغير الهيمنة والاعتداء سبيلا لتحقيق مآربه في استعباد الشعوب الحرة وسرقة خيراتها . لم يكن قرار الحرب مفاجئا للسوريين لكن المفاجأة كانت في التوقيت الذي اختاره بعناية القائد الخالد حافظ الأسد الذي خطط وفكر واتخذ قراره الشجاع بالمواجهة . نعم .. لم يباغت قرار الحرب السوريين فقد كان لديهم هاجس الدفاع عن سيادة الوطن وكرامته والإصرار على تحرير الأجزاء المغتصبة من رجس العدو الصهيوني وعودة الاعتبار بعد نكسة حزيران 1967 فمن عاش تلك الأيام يتذكر بوضوح أن تحضيرات كبيرة سبقت ساعة الصفر فكانت التعليمات حازمة وواضحة لجميع القطاعات بأن تستنفر كافة الجهود لمعركة التحرير ومثلها بالتأكيد معركة الصمود وتماسك الجبهة الداخلية حتى يتوفر لجيشنا الباسل الظهير المتين وهو يخوض معركة الوجود ببسالة أذهلت الأعداء قبل الأصدقاء . لقد كانت الدولة السورية الحاضر الأبرز خلال الحرب مثلما كانت فصائل الشعب بكافة فئاته سندا ومعينا على استمرا سلطة الدولة وتماسك بنيانها بالوقوف صفا واحدا إلى جانب القوات المسلحة الباسلة ، وقد ترجم هذا الحضور بقوة وصلابة على الأرض لتأمين حالة الاستقرار وتأمين الحماية للمدنيين عند تعرضهم لغارات المحتلين، فكان من أهم ملامح هذا الصمود في الجبهة الداخلية أن انضبطت مختلف فصائل الشعب ضمن مسارات واضحة لتقديم العون لكل من يحتاجه وبكافة أشكاله . الرغيف وغذاء المواطن أولاً.. كان الرغيف وغذاء المواطن الخط الأحمر الذي لا يجوز العبث أو التهاون فيه على الإطلاق وصدرت تعليمات واضحة لكافة الجهات بمنع الاحتكار والضرب بيد من حديد على كل محتكر أو متصيد للفرص أو مستغل لظروف المواطنين برفع الأسعار أو حجب المادة عمن يطلبها والأقسى من ذلك أن المواطن ذاته مارس دور الرقيب المسؤول لمنع ظهور مثل هذه الحالات ، فكانت المحاسبة الشعبية قبل القرارات الرسمية أو الحكومية وكان لها التأثير الأكبر في تكريس حالة التعاون والتعاضد بين مختلف أبناء الشعب دون تمييز في مواجهة معركة الصمود الداخلي حيث الواحد للكل والكل للوطن. الخدمات العامة أثناء الحرب والمواد الغذائية توفرت بشكل ملفت وبكميات كبيرة لدرجة غابت معها الشكوى من فقدانها أو عدم توفرها ، وعلى غير عادات الشعوب في الأزمات فقد قلب السوريون المفاهيم التي تسود في مثل تلك الظروف فلم تسجل الأسواق جوعا ونهما لتخزين المواد الغذائية بل على العكس تماما فقد خف الطلب إجمالا على الكثير من الحاجات التي تركت مواقعها لما هو أهم في زمن الحروب فكان لها الأثر الايجابي على مجمل الواقع العام حتى أن الخلافات تلاشت بين الناس وازدهر التسامح بين أفراد الشعب عموما ليساهم كل من موقعه في دور يطلبه الوطن في مثل تلك الظروف . كل القلوب تنبض للوطن صور جديدة تعيدنا إلى تلك الأيام حيث كان للشعب دور في ضبط وحماية الداخل من خلال تشكيل كوادر شعبية لعبت دورا مهما في تدعيم الجبهة الداخلية فكانت عناصر ما سمي بالجيش الشعبي ومجموعاته تقوم بتوزيع الدقيق على الأفران التي ضاعفت من إنتاجها وزادت ساعات عملها ، كما ساهمت بتوفير المحروقات والخبز للمواطنين ومثلها المواد الغذائية إلى جانب المساعدة المباشرة مع الدفاع المدني حيث يتطلب الوضع وجودهم ، كما شكلت هذه المجموعات الشعبية والأهلية سدا قويا في وجه المحتكرين أو الفاسدين الانتهازيين أو ما يقال عنهم تجار الحروب والأزمات فمنعتهم بقوة الشعب والقانون من اللعب على حاجات الناس وللتاريخ لم نكن نجد لمثل هؤلاء صدى يذكر فالناس كانوا أكثر وعيا وتماسكا من أي وقت آخر . فالكل كانت عيونهم وأفعالهم تعمل لزيادة الإنتاج واستمرار عجلة العمل بالدوران . ما يمكن قوله إن السوريين عاشوا أيام الحرب بكل تفاصيلها عين على الحدود يرصدون بها بطولات أبنائهم على مختلف جبهات القتال وعين أخرى على اليد التي تبني الوطن وتدعم أركان جبهته الداخلية . يومها كانت كل القلوب تنبض للوطن وبالتضحية في سبيله .. فبتلك الروح خاض شعبنا الحرب وبالروح ذاتها انتصرنا ،وبإذن الله سننتصر .. ** ** ** اقتصاديات تشرين ..أحد مقومات صمود سورية اليوم دمشق - ميساء العلي: يبقى لاقتصاديات الحرب منحاً مختلفاً وخاصة في الدول المقاومة والمجابهة والتي يتحمل أبناؤها كل شيء من أجل الوطن، وهنا نعود بالذاكرة لاقتصاد حرب تشرين التحريرية، لنتذكر تعاون كل مكونات وأطياف الشعب السوري لبقاء الجبهة الداخلية قوية ومتماسكة قادرة على خوض معركة النصر.. كم نحن أحوج في هذه المرحلة لإعادة تجربة اقتصاد حرب تشرين بالرغم من أن الظروف مختلفة كون الحرب اليوم مع التطرف والإرهاب وتكالب دول العالم على سورية واقتصادها لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر. ونستذكر خلال حرب تشرين التحريرية كيف حرصت سورية على وضع استراتيجية وطنية للأمن الغذائي في أوقات السلم والحرب، وعملت على تأمين المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية المحلية عبر مؤسسات التجارة الداخلية وجهات القطاع العام المختلفة والقطاع الخاص بما يكفي حاجة المواطنين خاصة أنه في الأزمات يتزايد الطلب على الحاجات الأساسية للمجتمع. ولحظت الاستراتيجية تحويل شركات القطاع العام الصناعي لخدمة المجهود الحربي ولاسيما في مجال الصناعات الغذائية، وأصبحت هذه الشركات تنتج المواد الغذائية اللازمة لتأمين القوات المسلحة والمواطنين وذلك بمساهمة من الإخوة المواطنين المتبرعين وهم ليسوا من العاملين في هذه الشركات. وكان لتأمين رغيف الخبز، استراتيجية وطنية خاصة من خلال وجود مخزون استراتيجي من القمح يكفي لمدة عام كامل، بالإضافة لتأمين شبكة متكاملة من المطاحن والمخابز والصوامع وجميعها تعمل على مدار الـ 24 ساعة في جميع أنحاء القطر حيث يتوافر في كل مخبز مستلزمات الإنتاج الكافية لتأمين المنطقة الجغرافية بالمخصص لها، سواء من اليد العاملة أم المحروقات أم المياه بالإضافة لوسائط النقل اللازمة لإحضار المواد وتوزيع الخبز، وفق خطة دقيقة أثبتت نجاحها في كل الظروف. أما الأسواق حيث كان تأمين الحاجيات اليومية للمواطنين هدف رئيسي، فقد كانت منتظمة من خلال التزام التجار بتقديم كل أنواع الخضار والفواكه والمواد الغذائية وغير الغذائية لأسواق المدن والقرى وتقديم تلك المواد بأسعار مناسبة دون استغلال لظروف الحرب. وهنا تظهر أخلاقيات الشعب السوري فالجميع حماة للديار والوطن وكل يعمل حسب موقعه، لا ينظرون للكنوز المادية والثروات المالية من الذهب الأصفر والأسود والملون بأي لون آخر، الأهم هو الوطن. لابدّ من القول إنه بالرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها اقتصاد البلد حالياً فإن الحكومة وبعض التجار نجحوا في تأمين مستلزمات المواطن في هذه المعركة الكونية على سورية مستلهمين قوتهم من روح تشرين وانتصاراتها وما أحوجنا إليها دائماً. |
|