|
شؤون سياسية لكن هذا الرهان يبدو أنه بدأ يتساقط مع دخول بريطانيا والحياة الاقتصادية والسياسية فيها مرحلة ركود من جديد شبيهة بحالة الركود السابقة التي عاشتها في السنين الأخيرة لحكم جون ميجير رئيس الوزراء البريطاني السابق والذي ظل لسبع سنوات غير قادر على الحركة أو الهام الشعب البريطاني بأفكار جديدة على حد اجماع الأوساط السياسية البريطانية , والحال اليوم أشبه بحال الأمس فقبل وصول بلير إلى السلطة بلغت الحالة في بريطانيا درجة كبيرة من التردي وبروز انقسامات وخلافات داخل الطبقات السياسية والمالية الحاكمة ووصول عدد العاطلين عن العمل إلى ثلاثة ملايين شخص ما جعل الجسم البريطاني يعاني المزيد من الارهاق والتعب والافلاس الفكري وغياب الأجواء العامة المشجعة للابداع ورأي الكثير من البريطانيين أن حالة الجمود والتراجع عن مطالب التغيير التي نادت بها قيادات الحركات والأحزاب السياسية أدت إلى خنق الأجواء العامة وعدم تجديد الهواء واغلاق النوافذ السياسية والاستعاضة عن لغة الحوار بلغة العنف وعدم الاستجابة لمصالح الشعب الذي يطالب بتجديد دماء طبقته السياسية باستمرار نحو المزيد من الازدهار. ولهذا فإن طوني بلير عندما وصل إلى السلطة في أيار عام 1997 كان في نظر البريطانيين من محافظين وعمال ومستقلين رجل الخلاص من تلك الحالة المتراجعة , ورجل الوثبة المنتظرة لرجل مفتوح على حب المغامرة والتقدم السريع ولهذا وجدنا بلير يدخل البرلمان بأغلبية المقاعد وكلها لوجوه شابة تعكس حيوية وطموح تجديد الجسم السياسي . في بدء مسيرته زاده ثقة إقدامه على تغييرات سياسية كمنحه مقاطعة اسكتلندا برلمانها الخاص ومقاطعة ويلز مجلسها المنتخب كما أصبح في عهده لمدينة لندن عمدة يتم انتخابه بصورة ديمقراطية. لكن بلير مع مرور السنين تغير من بلير الاصلاحي والتغييري ليصبح عقبة أمام موجة تطالب من جديد بفتح النوافذ البريطانية للانتقال إلى ضفة أخرى من التقدم الاجتماعي والاقتصادي وهذا بدأ في الأوساط البريطانية مع عدة عوامل داخلية وخارجية ومع ظهور وصعود زعيم المحافظين الجدد ديفيد كاميرون حيث يلقبه البريطانيون اليوم بالشاب الطموح الذي يمثل اصرار المحافظين على العودة إلى السلطة, وبروز هذا القيادي البريطاني لم يأت من فراغ أيضاً بل أتى نتيجة انزلاق بلير إلى مصيدة العراق وجر بلاده إلى المقاطعة الأميركية ما جعل البريطانيين ينظرون إلى أن بريطانيا العظمى بالأمس أصبحت اليوم أشبه بعربة قطار تقودها واشنطن مما أفقدت البريطانيين مجدهم وسلطتهم وهيبتهم لاسيما أمام الشعوب الأوروبية الأخرى. كما يرى البريطانيون أن طوني بلير بهذا الانسياق الأعمى تحت العباءة الأميركية أدخل في متاهات أخرى لا تقل سوءاً عن ذلك كفشله في معالجة قضايا عدة حساسة متعلقة بالأمن الداخلي وسوء التدابير التي اتخذها تحت ذريعة مكافحة الارهاب وما نتج عنها من تقليص مساحة التعبير والرأي لدى الشعب البريطاني وتراجع النمو الاقتصادي وزيادة المعاداة والكراهية لبريطانيا على المستوى الخارجي لاسيما من قبل العالم العربي والاسلامي مما أوصل ذلك الحال إلى فقدان بريطانيا بوصلتها من جديد, ولهذا نرى أن بلير الذي وصل إلى السلطة في 1997 بأكثر شعبية من أي رئيس وزراء بريطاني سابق هو اليوم يواجه اجماعاً بضرورة خروجه من الحكم مع أنه انتخب العام الماضي لمرة ثالثة , ولعل بلير قد وصلت إليه الرسالة وتلقاها بسرعة وحاول أن يلتف عليها عندما أوحى لأعضاء حكومته بأنه يفضل انتقال السلطة إلى وزير ماليته /غوردون براون/ وبحيث لا يحدث خلل مخيف في مؤسسات نظام الحكم وبما يؤدي إلى خلل جديد في النمو الاقتصادي , لكن ذلك يتنامى مع متطلبات الرأي العام البريطاني الذي عبر في أكثر من مناسبة عن ضرورة التعجيل في خروج بلير مع بروز زعيم جديد للمعارضة في بريطانيا يطرق الأبواب بنفسه للاستعجال بالتغيير حتى يتمكن من هزيمة العمال في انتخابات يجمع البريطانيون بضرورة أن تجري العام 2008 كما أن العمال يريدون تكرار سيناريو المحافظين للاطاحة ببلير والاتيان بغوردون براون لوقف زحف ديفيد كاميرون الذي يحلم بدوره مثلما كان يفعل بلير عام 1997 بهزيمة حزب العمال والوصول إلى السلطة. وهم يستندون إلى أن الغربيين امتازوا بحماية مجتمعاتهم وتطورها باعتمادهم على التغيير رغم أن مارغريت تاتشر بكت عندما خرجت من داوننغ ستريت بعد أحد عشر عاماً من حكم قبضتها الفولاذية على بريطانيا .ولعل الجميع اليوم يسأل في بريطانيا هل طوني بلير سيبكي هو الآخر لمفارقة داوننغ ستريت الذي تدار منه دولة عظمى بحجم بريطانيا لا سيما وأن لهذا البناء البريطاني تقليداً كما يقول البريطانيون ينتهي بتغيير الساكنين فيه ويرفض أن يحتفظ بساكن واحد فيه وبعقد مفتوح بلا نهاية لأن الديمقراطية كما هو المثل عند البريطانيين لا توجد عقود مفتوحة. لكن القشة التي قصمت ظهر البعير عند طوني بلير تتمثل في سياسته المنضوية تحت لواء أمريكا وادارتها في عهد الرئيس جورج بوش وانسياقه ببريطانيا العظمى صاحبة المجد التاريخي القديم والحديث وانقياده تحت أمرة الرئيس بوش الذي أوصلت سياسته الخارجية لاسيما في العراق وأفغانستان ومشروعه المزعوم لمكافحة الارهاب في العالم إلى مراتب الحضيض في نظر الأميركيين والشعوب الأوروبية والعالمية . |
|