تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


محطـــــــات ثقافية

ملحق ثقافي
الثلاثاء20 /12/2005
فايز خضور

منذ أكثر من أربعين عاماً، فاجأنا أستاذ مادة التاريخ ونحن في سنتنا الثانية-قسم اللغة العربية-بمقولة،

ربما نسمعها جميعاً لأول مرة-آنئذ-. وهي كيف ننتقد التاريخ وكيف نحلله، ونعيد معطيات الحدث الى منابعها، وإلى مكوناتها، وهل الحدث منطقي، وإلى أي درجة وصلت المبالغة فيه، وما هي الدوافع الى ذلك، وهل هذا متعمَّد في إشهار الإساءة،أم أنه محض قصور وتقصير ناتجين عن ضحالة في تقصي الأدوات المعرفية التي تستجلى الحدث، أم، أم،أم..إلخ، ماهنالك من تساؤلات واستفسارات..؟!! المعروف أن التاريخ يكتبه «الأقوى»، وعلى كيفه وهواه، والأقوى هنا كلمة تذهب بعيداً في العمق والدلالات والشمول، بحسب موقعه من الحدث، وامكاناته المتاحة، أو المفترضة، أو المفروضة، سواء أكان هذا الأقوى مسؤولاً عن شعب وأمَّة، أو قائماً على شؤون مؤسسة أو اتحاد، أو شركة، أو مختاراً في قرية صغيرة، أو راعياً في قطيع، أو كاتباً في صحيفة..إلخ. في نقد التاريخ سنتناول القائد «طارق بن زياد» وحكاية دخوله الى الأندلس، من المغرب العربي، وموضوعة إحراق السفن، وخطبته المشهورة، التي لاتزال تتناقلها الأجيال-كما وردت-دون نقد أو تحليل، ودون المساس بالمخيّلة التي توهجت على شفاه وأقلام الرواة، والمؤرخين..!! المعروف أن القائد «طارق بن زياد» واحد من قبائل البربر «الأمازيغ»، المتواجدين في الشريط الصحراوي الواسع، ابتداء من شمال مصر، الي ليبيا، فتونس، فالجزائر، فمراكش «المغرب». هذا الشريط الذي يتسع في الداخل الصحراوي، ويضيق حتى يكاد ينعدم، في السهول والجبال الساحلية. ولنا عودة في المحطات الثقافية القادمة، للتوسع قليلاً، في موضوعة «الأمازيغ»، من هم، وما هي نشأتهم، وما هو انتماؤهم، القديم، والجديد..!! والآن نحن مع ابن زياد في حملته التاريخية التي تركت اسمه منقوشاً، يردد الكون صداه، فوق جبل يحرس المضيق الوحيد الذي يواشج البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي، هذا المضيق الذي يدعى «مضيق جبل طارق»، وهو منه عَبَرت السفن التي «استأجرها» من أحد الأمراء «ألفونسو»، بشرط الإعادة حتماً بعد انتهاء العبور، أي هي ليست ملكه، كي يتصرف بها على هواه، وهي لأجنبي وليست لعربي، فماذا حدث ..؟! يقول التاريخ: حين وصلت السفن الى الساحل الغربي «الأندلس»، عمل طارق على احراقها، وأحرقها فوراً، بعد أن ألقى خطبته المشهورة «البحر من ورائكم، والعدو من أمامكم»، لكن هذا التاريخ يعود ليقول لنا في مكان آخر: لقد تم العبور على عدة «دفعات»، فكيف يصح هذا، وقد تم إحراق السفن..؟!.. يضاف الى هذا، كيف يتأتى له إحراقها، وهي مستأجرة وليست له-كما قلنا..؟! وأما فيما يخص خطبته العصماء، فقد حللها النقاد، ودارسو الأساليب فوجدوا أنها ترجع في أسلوبها الى فترة ازدهار النثر العربي، في العصر العباسي، حصراً، فكيف تثنى لمواطن لايتقن اللغة العربية ولايدركها كما ينبغي، حسب الروايات جميعها، التي تنوقلت عن شخصية، وحياة «طارق بن زياد»..؟!.. إذن هناك حقيقة دخول الأندلس «اسبانيا» لاجدل فيها، حيث حكم العرب، وازدهر حكمهم حتى تهاوت الدولة العظيمة، الى دويلات، ومن ثم الى مايسمى «ملوك الطوائف» الذين انتهوا الى الهلاك والنفي والهجرة، الى الشرق المغربي، حاملين معهم «مفاتيح» بيوتهم وقصورهم الخاوية، مثلما فعل بعض الفلسطينيين، الحالمين بالعودة، كحق مشروع لهم..!!.. فهيهات يازمن: قديماً كنت أم حديثاً..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية