|
دراسات وهو القرار الثالث خلال أقل من سنة . القرار الجديد الذي يحمل الرقم 1644 والصادر بالاجماع صباح 16/12/2005 جاء بعد مخاض عسير ومداولات استمرت لثلاثة أيام شهدت أخذاً ورداً وكثيراً من الاعتراضات والتعديلات.. الاعتراضات كانت على الصيغة الأولية المقدمة من فرنسا, والتي انضم إليها لاحقاً كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وتستند إلى التقرير الثاني المقدم من قبل قاضي التحقيق الألماني ديتليف ميليس بشأن الجريمة والذي لم يقدم أي جديد يدلل على الفاعلين والمخططين والمدبرين للجريمة, إنما جاء ليزيد من حالة التسييس المتخذة منهجاً أولياً مع البدء بالتحقيق , بل قبل ذلك منذ صدور القرار ..1559 بكل الأحوال فإن لغة الاستهداف والاستهداف السياسي لسورية, في هذه المرة, سقطت وتمكنت أهم الدول الأعضاء في مجلس الأمن سواء دائمة العضوية ( روسيا والصين ) أو الدول المناوبة مثل الجزائر والبرازيل وغيرها من عدم تمرير الصيغة الفرنسية الأولية والتي كانت خطرة جداً وتشير إلى القلق من عدم تعاون سورية مع لجنة التحقيق وتهدد باتخاذ اجراءات عقابية وتطالب بمعاقبة أفراد ومسؤولين سوريين رغم عدم توفر التهم المباشرة والإدانات..! الصيغة الجديدة للقرار 1644 جاءت بعد الجهود الجزائرية والروسية والصينية والبرازيلية, وتم حذف كل الفقرات التي تشير إلى عدم التعاون والاتهام المباشر لسورية, واتخاذ الاجراءات, لتكون بشكلها النهائي مخففة وتلقى اجماعاً في المنظمة الدولية حيث جاء في نص القرار بعد التأكيد على جميع القرارات السابقة ذات الصلة 1595-7 نيسان 2005 و1373- 28 أيلول 2001 والقرار 1566 -8 تشرين أول 2004والقرار 1636 - 31 تشرين أول ,2005 وتحديد الادانة لعملية الاغتيال وتقرير اللجنة الدولية للتحقيق الأول والثاني.. وملاحظته أن السلطات السورية سمحت بمقابلة المسؤولين السوريين لاستجوابهم يقرر: 1- يرحب بتقرير اللجنة. 2- يقرر مبدئياً أن يمدد حسبما أوصت به اللجنة, وطلبته الحكومة اللبنانية ولاية اللجنة إلى موعد غايته 15 حزيران .2006 3- يحيط علماً مع الارتياح بالتقدم المحرز في التحقيق منذ آخر تقرير قدمته اللجنة إلى المجلس. 4- يشدد على واجب سورية والتزامها بالتعاون تعاوناً كاملاً. 5- يطلب إلى اللجنة تقديم تقرير عن التقدم المحرز في التحقيق وما تلقاه من تعاون من جانب السلطات السورية كل ثلاثة أشهر أو في أي وقت إذا ارتأت اللجنة أن ذلك التعاون لا يفي بمتطلبات القرارين 1595و.1636 6- يقر بطلب الحكومة اللبنانية بأن يحاكم من توجه لهم في آخر المطاف تهمة الضلوع في هذا العمل الإرهابي أمام محكمة ذات طابع دولي وبطلب إلى الأمين العام أن يساعد الحكومة اللبنانية في تحديد طابع ونطاق المساعدة الدولية. 7- يأذن للجنة أن تقوم عند الحاجة بناء على طلب الحكومة اللبنانية بالمساعدة التقنية للتحقيق في أعمال إرهابية ارتكبت في لبنان منذ 1 تشرين أول 2004 وأخيراً مواصلة الأمين العام دعم اللجنة وإبقاء المسألة قيد النظر وعلى هذا الأساس يمكن القول إن سورية استطاعت بجهودها الدبلوماسية وعلاقاتها الدولية المميزة مع حلفاء سياسيين في مجلس الأمن, وبدعم الدول العربية وخاصة الجزائر والسعودية ومصر , أن تمنع قراراً سياسياًضدها وهذا النجاح يسجل لتلك الدول في مجلس الأمن, حيث تمكنت من تحييد المجلس, وعدم انجراره إلى خانة الابتزاز السياسي, واستخدامه كمطية لتحقيق مصالح واستراتيجيات بعض الدول المتربصة بالمنطقة مثل ( فرنسا- أميركا- بريطانيا). البعض يتساءل , هل تعتبر اللهجة المخففة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي, والمهلة الجديدة التي مدد بموجبها للجنة التحقيق الدولية 6 أشهر وتعيين قاض بلجيكي جديد يبدو أن الولايات المتحدة غير متفائلة بدوره حيث يتوقع أن يمسك بالخيوط المهنية والقضائية فقط, بدلاً عن تلك السياسية.. هل يعد ذلك تخفيفاً للضغوط على سورية وإشارة إلى الدخول في تحقيق احترافي مهني, يؤدي في نهاية المطاف إلى براءة سورية, وفشل محاولة استهدافها عبر تلك الجريمة البشعة وغيرها من الجرائم التي تحصل في لبنان?! أم أنه هدنة زمنية, تستعد فيها هذه الأطراف لتحضير سيناريوهات جديدة مثل وضع شهود مزورين, وتقديم وثائق باطلة وإدانات صورية تقود إلى توجيه التهم الكاذبة سواء لأشخاص أو جهات سورية, وتقدم بعد ذلك على اتخاذ قرار تشكيل المحكمة الدولية التي تطالب باستلام المشتبه بهم ومحاكمتهم , ومن ثم اتخاذ القرارات العقابية بحق سورية ?! المنطق السياسي والواقعي يقول : إن حملة الضغوط والاستهداف ضد سورية لن تتوقف وذلك لاعتبار أساسي هو أن الرهان على ابتزاز سورية وتقديمها تنازلات تتناقض مع ثوابتها وقيمها وإرادة شعبها أمر يائس ومستحيل. والمنطق والواقعية في طبيعة العلاقات الدولية وتشابك المصالح الدولية,ووضوح الرؤية الأميركية لمشروع الهيمنة والابتلاع لمنطقة الشرق الأوسط المزعوم ( كبيراً أم صغيراً) تدلل على أن دولاً ذات مكانة ونفوذ وقدرة تريد أن تكون منطقة الشرق الأوسط مستقرة وتراهن على مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية فيها, وأهم هذه الدول روسيا والصين وإيران وتركيا, بما يربطها مع الدول العربية والآسيوية والأميركية اللاتينية من علاقات واتفاقات وتنسيق سوف تكون مهددة في حال تهديد أي دولة من دول منطقة الشرق الأوسط وخاصة سورية. واستناداً إلى ذلك فإن حرص تلك الدول الكبيرة سيكون على فرض لغة التشارك والحوار وتوفير المناخ المناسب للتنمية والنهوض الاقتصادي والسياسي لمصلحة تلك الدول والدول الأخرى معاً. وسوف تكون حريصة جداً على إلغاء مفهوم التفرد والهيمنة والاستبعاد من إدارة موارد وخيرات العالم لصالح الشعوب . وهنا يمكن الرهان على استمرار التنسيق والتعاون بين تلك الدول والمناطق والأقاليم المستهدفة من جهة, وبينها وبين الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام لعدم تمكين أي دولة أو طرف من زعزعة الاستقرار. وعند ذلك نستطيع التفاؤل بمشهد التحول من الضغط والابتزاز إلى الحوار والتعاون خاصة أن دولاً مهمة مثل روسيا لديها مقترحات واستعدادات لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط باعتبار ذلك أساساً لوقف مسلسل العنف والإرهاب والتطرف الناشئ في هذا الاقليم. إن السلام والاستقرار سيعجل في مسيرة الاصلاح وتمكين الشعوب من الديمقراطية والمشاركة واقتسام الثروات, ما يقضي على أفكار التطرف والتكفير وغيرها. المرحلة القادمة يتوقع لها أن تشهد صراعاً وشداً للحبال وعضاً للأصابع مرة , ومرونة محدودة على مبدأ (لا تكن ليناً فتعصر) وقسوة على مبدأ (ولا صلباً فتكسر).ولا نكون واهمين أو حالمين إذا قلنا إن الشهور القادمة ستحمل بوادر الانفراج, وأن براءة سورية من جريمة اغتيال الرئيس الحريري وغيرها, ستكون شهادة العبور إلى محطة الانفراج الاقليمي والدولي تلك. |
|