تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الشجرة السارية

ملحق ثقافي
2018/9/11
سامر منصور

من بعدكَ خرساء هي

العصافير‏

شاسعٌ كرسينا في الحديقة‏

لم أعد أجلس عليه إلا نادراً‏

تخيفني قضبانه الخشبية‏

الممتدة من جهتكَ‏

إلى ما لانهاية‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

كسككٍ لقطاراتٍ‏

عجلاتها مناشيرٌ مدورة‏

كقرص الساعة‏

تمزق روحي‏

دعني أشكو إليك‏

شجرتنا‏

التي كنا نُطيّرُ تحتها‏

فراشات القُبل‏

كل غصنٍ فيها‏

ينغزني حتى‏

أنزف ذكرى‏

وكلما سألتها‏

وأنا أقرأ‏

ما نقشناه عليها‏

بعيني‏

بشفتي، بوجنتي‏

أجابتني الريح‏

بلسان كلبٍ‏

لعقت به شَعري‏

حجرية ٌ شجرتنا العجوز‏

أحياناً‏

وحنونة‏

لها بشرة ٌ‏

كبشرة جدتي‏

أحياناً أخرى‏

همستْ في أذني ذات مرة‏

أنها ستتبعثر بين يدي‏

كي أعيد ترتيبها‏

كقاربٍ يُقلني إليك‏

قالت أنها‏

ستوحد أوراقها‏

في شراعٍ أخضر‏

وستحول كل عصافيرها‏

إلى نوارس‏

تريني الطريق‏

قالت وقالت كثيراً‏

فهربت منها‏

لذت بكرسينا في الحديقة‏

لم يعد ثابتاً‏

ولم أعد أقوى‏

على النهوض عنه‏

ساعة أشاء‏

تدلت من السماء‏

حبال الحنين‏

أضحى الكرسي أرجوحة‏

ليس يرحمني‏

يؤرجحني يزلزلني‏

ويقذفني في سديم الذكريات‏

أصرخ وأنا في الهواء‏

وليس في رئتي هواء‏

ليتني أصطدم‏

بحاجز الزمان‏

فأحطمه..‏

كما يحطمني..‏

قل لي..‏

لماذا أخذت‏

ظل شجرتنا معك؟!‏

وتركتني أذوب تحتها‏

أين تفرش الظل الآن؟‏

أريد أن اشعر مجدداً‏

بأصابعك تتقد شموعاً‏

على حواف‏

جسدي‏

الذي أضحى رخامياً‏

كشاهدة قبر‏

أنفاسك كلماتك‏

هيا تعال أوقدها..‏

باردة هي الذكريات‏

واخزٌ كرسي الحديقة‏

واخزٌ كوردة‏

مقصلة ٌ كرسي الحقيقة‏

هجرتني‏

وفيك كُلي‏

فسقطت أرضاً‏

انطباقاً على ظلي‏

أحفر الأرض‏

كي أقبرني‏

لا أصدق أنك‏

رحلت، هجرت‏

أذبلت في قلبك‏

المحبة والمودة؟!‏

أتذكر همساتنا‏

لمساتنا، رقصنا‏

كنت تقول لي:‏

كقطرة ندى تشفُّ‏

عن صورة الشمس‏

ترقصين‏

كقطرة ندى على‏

ساق زهر الياسمين.‏

وحين تغيبين‏

تتكدس على قلبي‏

أجنحة الفراش‏

وتوغل السماء مبتعدة‏

في عتم الفضاء‏

أتذكر كيف كنا‏

معاً نمزق الحرب‏

والليل..‏

بجناحِ فراشة‏

كنت تناديني‏

«يا قمري»‏

وكنت شمسي‏

حملت نورك‏

وابتعدت‏

لم يبقَ من القمر‏

إلا الحجر‏

ليتك تركت لي‏

ظل الشجرة‏

كفناً بملمس حُلم‏

ليتهم لم يخبروني‏

برحيلك‏

ليتهم قالوا لي‏

كذبة ما‏

تستحق السُقيا‏

وتجيد النمو‏

ليتك تركت لي‏

ظل الشجرة‏

كي ألوذ به من ظلال‏

أحلامي وآلامي‏

عيناي اللتان‏

كنت تحبهما‏

أضحتا كُرتي عتم‏

لفرط ما تشابكت‏

فيهما الظلال‏

آهٍ كم تتشابه الظلال!‏

فلكل الأشياء،‏

للعالم أجمع‏

ظلٌّ من ليل‏

ولك ظلٌّ من ضياء‏

مالحةٌ هي السماء‏

ولا أصابع تمسح طعمها‏

عن شفاه عيوني‏

يقولون ذلك الخط الأسود‏

على صورتك‏

مائلٌ‏

وأقول مستقيمٌ‏

كعامود صليب‏

مائلٌ عالمي‏

محدودبٌ‏

كي يحمله‏

كلما رأيت أحداً يبكي‏

تدحرجت نحوي دموعه‏

أغرقتني..‏

أنا من بعدك‏

صنمٌ من ملح الدمع‏

يعبدهُ الأسى..‏

أبكي وأصرخ‏

بين كفيّ الليل..‏

وليس أقسى‏

من أن تبكي أغنياتك‏

التي لم تأت بعد‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية