|
تحقيقات
ووفقاً للأرقام والإحصاءات العالمية التي تضع مرض السرطان على قائمة الأمراض الأكثر فتكاً بالبشر، حيث يصاب أكثر من 14 مليون شخص بالسرطان سنوياً ويتوقع أن يصل هذا الرقم إلى أكثر من 21 مليوناً بحلول عام 2030، نجد أن حوالي 750 ألفاً منهم مصاب بسرطانات الرأس والعنق في العام الواحد.. وعليه انطلقت التوجهات المحلية للبحث حول الآفاق الحديثة لهذا النوع من السرطانات في سورية، ودور الطب النووي في تدبيرها والأخطاء التشخيصية والعلاجية في الأورام الوجهية الفكية إضافة إلى المعالجات الجراحية والاختلاطات الفموية للمعالجات الشعاعية. تصورات محلية تؤكد رئيسة قسم طب الفم بجامعة دمشق الأستاذة الدكتورة عبير أحمد الجوجو أن سرطانات العنق تحتل مراتب متقدمة من حيث نسب الانتشار وعدد الوفيات، نتيجة لعوامل حتى الآن غير مفهومة ومتداخلة بعضها يتعلق بالجنس والعمر، حيث كانت نسب الإصابة منذ خمسين عاماً بين الذكور أكثر من الإناث، في حين تبدو النسب الحالية متساوية بين الجنسين بسبب انتشار التدخين على نطاق أوسع عند السيدات، مشيرة إلى وجود علاجات حديثة مناعية تعطى للمريض في المشافي الجامعية مع أنها مكلفة جداً وتعتبر هذه العلاجات داعمة لتحسين الاستجابة الشعاعية. لافتة إلى ضرورة وضع خطة عامة تجمع المعارف والأبحاث التي تجرى في الجامعات والمراكز البحثية للعمل عليها والتنويه إلى عوامل الخطورة والأسباب، وطرق الوقاية والتشخيص الحديثة، والتعرف إلى المشكلات التي تنجم عن أدوية. الأكثر مشاهدة هناك إحصائيات خجولة مقدمة من قبل بعض الأساتذة الجامعيين، تشير إلى أن سرطان البلعوم الأنفي والحنجرة، هما الأكثر انتشاراً، وتحتل المرتبة الأولى بالنسبة لسرطانات الرأس والعنق ويمكن القول: إن هذه السرطانات بمعظمها قابلة للعلاج والشفاء في حال التشخيص المبكر، هذا ما أشار إليه الدكتور نبوغ العوا عميد كلية الطب بجامعة دمشق، مبيناً أن اختلاف ارتفاع نسبة انتشار المرض لدينا وفي منطقة شرق آسيا أكثر من الدول الغربية وأميركا، قد لا يعود فقط للعادات السيئة كالتدخين، فحتى الآن لا يوجد دراسة تبين السبب المؤكد لذلك، وعليه لا بد من توجيه طلاب الدراسات العليا والدكتوراه لإجراء دراساتهم ورسائلهم البحثية حول هذا الموضوع لتكون نواة لمعرفة الأسباب المؤدية لهذه الأمراض وآليات التشخيص. وأشار العوا إلى بعض المشاهدات التي يجب على الطبيب تمييزها لدى مريضه لكي يكتشف المرض في بداياته مثل: وجود عقد لمفاوية والشعور بثقل في السمع وانسداد بالأذن، وانسحاب في غشاء الطبل أو كتلة في البلعوم الأنفي تغلق جزءاً من نفير أوستاش.. وشعور المريض أن الهواء يدفع غشاء الطبل إلى الداخل ووجود أصوات داخل الأذن.. فإن الانتباه إلى هذه المؤشرات، يعطي المريض فرصة أكبر في العلاج، وبالعكس فعندما يكون انتشاره أوسع، تصبح السيطرة عليه أصعب. بين الكيميائي والمناعي
أكثر المضادات المستخدمة لعلاج السرطان هما العلاجان الكيميائي والمناعي، إلا أن العلاج الكيميائي يترافق بسمية أكبر ومعاناة أكثر للمريض بحسب ما أكده الدكتور ماهر سيفو رئيس قسم الأورام بجامعة دمشق ورئيس شعبة أورام الثدي بمشفى البيروني الجامعي، مبيناً الفائدة الكبيرة للعلاج المناعي من حيث الاستجابة، إلا أن تكلفته الكبيرة جعلته غير متوفر بالكامل حالياً ولا يوجد منه سوى نوعين من الأدوية، فجميع المعالجات ما زالت تعتمد على الكيميائي والأدوية المثبطة للورم. ولفت سيفوا إلى أن نسبة الشفاء من سرطانات الرأس والعنق في سورية شبيه بنسبة الشفاء في الدول المتقدمة في حال اكتشفت مبكراً وبخاصة سرطانات البلعوم الأنفي، وهناك شعبة كاملة في مشفى البيروني تعني بذلك. مشيراً إلى عدم إمكانية الوصول إلى إحصائيات دقيقة حول هذه الأمراض بشكل عام إلا من خلال دعم السجل الوطني للسرطانات، أما عالمياً فهناك حوالي 700 ألف إصابة سنوياً، يتوفى منهم 380 ألف حالة لكونه سرطاناً غير جراحي ويعتمد في علاجه على الأدوية وأغلب الحالات تكتشف متأخرة. مسؤولية الطبيب الممارس يشير الدكتور عيسى سعد اختصاصي في جراحة الوجه والفكين ومقرر علمي للبورد السوري إلى وجود مشاهدات كثيرة لهذا النوع من الأورام، وانتشارها في أوساط مختلفة وأعمار منخفضة، مؤكداً أن اكتشافها في مراحل مبكرة مسؤولية أخلاقية وقانونية ووجدانية تعود إلى الطبيب الممارس في عيادته، لكونه أول من يشاهد هؤلاء المرضى، ويتوجب عليه تحويلهم إلى المركز والطبيب المختص، إذ إن معظم هذه الأمراض يمكن أن تحل جراحياً ونتائجها تكون جيدة فيما إذا اكتشفت في الوقت المناسب. وبخاصة إذا كان المريض لديه أعراض مبهمة أو حالات سريرية غير طبيعية، فتكون مهمة الطبيب الممارس، اكتشاف الحالات وتوجيه المريض إلى مراكز المعالجة والتي أصبحت متوفرة لدينا في سورية في أغلب المناطق. ويرى سعد أن الوعي الصحي والمراجعات الدورية من العوامل المهمة والمفيدة جداً في موضوع التشخيص المبكر، ففي العرف العام، يبدأ الورم قبل اكتشافه، ولكن ظهور الأعراض السريرية الأولى تساهم في وضع لمسات جراحية أو علاجات شعاعيه أو كيميائية أو مشتركة من أجل إنقاذ حياة المريض. مشيراً إلى أن النسب الحالية لوجود المرض قد تكون نتيجة الوعي الصحي حيث يشكل ما يعادل 17% من مجموع الأورام التي تصيب الجسم وهذا رقم ليس بقليل. المعالجة بالنظائر المشعة هناك وسائل تشخيصية نووية مميزة يمكن للمريض الاستفادة منها، وهي وسائل حديثة في معظمها لا بد من أن يتعرف عليها الأطباء لمتابعة المرضى بعد حصولهم على المعالجات الأخرى بحسب الدكتور مجدي الزين رئيس قسم الطب النووي في مشفى الأسد الجامعي، مبيناً ضرورة الإضاءة على فكرة المعالجة ببعض النظائر المشعة التي تقدمت بشكل كبير بعد إيجاد المعالجة الهدفية النووية لبعض الآفات. وقال: نحن في سورية كنا من السباقين في تصنيع المواد المشعة الطبية إلى ما قبل الحرب على سورية، ولكن بسبب الحصار الجائر، لا يوجد إمكانية لشراء المواد الخام، وتتم الاستعانة بالدول الصديقة بشكل شبه جاهز. إضافة إلى ما تقوم به هيئة الطاقة الذرية من تصنيع المواد الطبية المشعة والمادة الأساسية التي تستخدم في التصوير الومضاني. مشيراً إلى عدم وجود جهاز أساسي في تشخيص الأورام ومتابعتها وتدبيرها حتى الآن في المشافي الجامعية (جهاز البتسكان) مع أننا نمتلك ميزة تصنيع المادة المشعة الأولية التي يحتاجها هذا الجهاز. وهناك حاجة ملحة له كإجراء تشخيصي، وتكلفته عالية على المريض في القطاع الخاص. مكلفة لكنها فعّالة وأكد الزين فعالية العلاج بالأشعة لبعض أنواع السرطان في مرحلة معينة، وهي متوافرة في مشفى البيروني الجامعي وهذه تؤدي عادة إلى قتل الورم ومنع امتداده وهناك نوع معالجة بالنظائر المشعة مثل اليود المشع الذي يعالج فيه أورام الغدة الدرقية بشكل أساسي ويمكن أن تستخدم النظائر المشعة الحديثة لبعض الآفات الورمية رغم تكلفتها العالية إلا أنها أثبتت فعاليتها. برتوكولات علاجية يؤكد الدكتور مازن زيناتي نائب رئيس رابطة جراحة الوجه والفكين في سورية ضرورة وجود خطة علاجية واضحة لكل مريض، فهناك الكثير من الاختلاطات في المعالجات الورمية الفكية، يكون للطبيب الممارس أو الجراح دور في إيصال المريض إلى هذه المرحلة، والكثير من الحالات كانت نتيجة للتشخيص السريري والشعاعي غير الصحيح، وهذا يتطلب وجود برتوكولات علاجية واضحة تجنب المريض الكثير من الأخطاء والمشكلات التي قد تحصل له، كما يتطلب تشكيل رابطة تدعى رابطة الأورام تجمع بين الاختصاصيين المهتمين بهذا الموضوع لدراسة وتقرير الخطوات العلاجية لحالة مريض معين. وبخاصة أن هناك علاجات جيدة وحالات كثيرة قابلة للشفاء ولا تحتاج إلا للمتابعة. وأشار الزيناتي إلى أهم الحالات التي يجب أن ينتبه إليها طبيب الأسنان لاكتشاف المرض مثل وجود خدر مستمر ومستغرب في اللسان أو الشفة، ووجود تقلقل بالأسنان دون سبب مبرر أو وجود قرحة فموية لا تشفى، وبحة بالصوت وصعوبة بالبلع، وغيرها من الأمور التي تلفت انتباه طبيب الأسنان لدفع المريض للقيام بالإجراءات التشخيصية، والتي تتطلب بعدها جلسة مشتركة بين اختصاصي الأورام واختصاصي المعالجة الشعاعية والطبيب الجراح لوضع خطة العلاج. متسائلاً عن سبب غياب هذا الإجراء في معالجة المرضى وتغييب دور الجراحين عما يقوم به المعالج الكيميائي أو العلاج الشعاعي، مع أن التعاون يختصر الكثير من العذاب على المريض. خطوات ملحة يدفع المريض ثمناً باهظاً في الجرعة العلاجية لدى القطاع الخاص وعندما يصبح غير قادر على شرائها، يرشدونه إلى مراجعة مشفى البيروني، هذا الأمر يتطلب تعريف المرضى بالجهات العلاجية المختصة المتوفرة، وقد أكد جميع من التقينا معه ضرورة وجود مذكرة تفاهم للكشف المبكر عن سرطانات الرأس والعنق كما هو الحال بالنسبة لسرطان الثدي. والمطالبة بوجود معايير خاصة لدراسة انتقالات المرض.. فهناك معوقات تمنع المرضى من متابعة حالتهم الصحية والحصول على المسح الكامل بالتصوير بسبب المشكلات المادية ولعل هذا يجعل الكثير لا يكتشف المرض إلا بعد حدوثه بفترة فتصبح نسبة الشفاء أقل. وطالب هؤلاء بتفعيل نظام المعلومات وإعادة السجل الوطني للسرطانات الذي توقف في عام 2010 للحصول على داتا كاملة للسرطانات حول نسبة وجودها ونوعها في كل منطقة، ومعرفة كل شيء عنها، ولا بد من إنشاء رابطة اسمها رابطة معالجة الأورام تضم كل الاختصاصيين وتضع برتوكولات علاجية واضحة، كما أكدوا على ضرورة التعاون بين فريق الاختصاصيين اختصاصي معالجة الأورام واختصاصي التشخيص من أشعة والتشخيص المرضي واختصاصي الجراحة العامة إضافة إلى أطباء الصحة العامة الذين يقدمون المعالجة الدوائية والنفسية تجنباً لأي اختلاط أو مشكلة تواجه المريض. |
|