تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


صفقــة القــــرن وتداعيـــات الموقــف العـــربي

عربي دولي
الاثنين3-2-2020
د. فايز عز الدين

مضت عقود من الزمان على احتلال فلسطين، والأراضي العربية من دول الطوق، وقد تناوبت على الحكّام في النظام العربي أكثر من عقيدة لإزالة آثار العدوان الصهيوإمبريالي على أراضي العرب، وإحقاق الحقوق التاريخية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني

في عودته إلى أرضه وإقامة كيانيته الوطنية بإرادته الخالصة، ووفق ميثاق الأمم المتحدة بحق تقرير المصير للأمم المختلفة.‏

ومن غريب الحال في أمة عربية احتُلّتْ من الاستعمار العثماني المتخلّف لأربعة قرون، ومن الاستعمار الأوروبي لربع قرن، وجاءها احتلال فلسطين في زمن سقوط نظام المستعمرات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م ألا تقرأ تجربتها التاريخية، ولا تتوافق على مشتركات تمثل لها عقيدة جامعة.‏

حيث انقسم الرأي العربي في النظام الرسمي نظام سايكس-بيكو إلى أكثر من اتجاه في تحديد الموقف العروبي السليم من طبيعة احتلال فلسطين التي جاءت لكسر إرادة الاستقلال العربي عند الشعب العربي، ولإخضاع النظام الرسمي لمرجعية سايكس-بيكو في الغرب، وعدم السماح للعرب بأن يكون لهم حليف في النظام الدولي يتبنّى قضاياهم العادلة ويكون قادراً على مساندتهم في القرار الدولي عبر مؤسسات الأمم المتحدة، ولاسيما مجلس الأمن.‏

والأكثر غرابة أن الأعراب منذ أن شرعت الصهيونية بدعم غربي إمبريالي باحتلال فلسطين كانوا مرتبطين بمشروع احتلالها مع الغرب مقابل ضمان عروشهم، وممالكهم ومشيخاتهم. وكانوا يحاولون توجيه الرأي العام العربي من الخليج إلى المحيط بأن أوراق حلّ القضية الفلسطينية بأيدي الغرب ولاسيما أميركا.‏

وفي مؤسسات العمل العربي المشترك عبر الجامعة، ومؤسسة القمة العربية تمسّك الأعراب بعلاقاتهم مع الغرب وناهضوا الدول العربية التي رأت في مقاربة الموقف الصحيح لتحرير فلسطين أن المقاومة هي الحل في الداخل العربي، وأن موقف عدم الانحياز في العلاقات الدولية لا يعني أن نتجاهل التحالف مع القوى العظمى التي تساند قضايانا العادلة في تحرير فلسطين ومن ثم بعد عدوان الخامس من حزيران 1967م الأراضي العربية التي احتلها كيان العدوان بدعم الغرب الإمبريالي لها.‏

وهكذا تقاطب الموقف السياسي من الحل العادل لقضية العرب المركزية بين اتجاهين: الأول أن أوراق الحل باليد الأميركية والغرب المتصهين، ويتمثل هذا الاتجاه بالأعراب في المشيخات والممالك ومن يسير على نهجهم في النظام العربي.‏

والثاني في أن كيان العدوان له حلفاء من الغرب المتصهين ويستقوي علينا بهم فلماذا لا يكون لنا حليف دولي من القوة العظمى المواجهة للغرب كالاتحاد السوفياتي حتى نخلق فيه التوازن السياسي والعسكري مع كيان العدوان؟ وخاصة أن الغرب الحليف لكيان العدوان لن يمدّنا بالسلاح الذي نستطيع فيه خلق التوازن السياسي والعسكري مع العدو الصهيوني الذي يتزوّد دوماً بأحدث منتجات مصانع السلاح في الغرب.‏

جرى هذا الحال العربي في عقود استبدّت بالعرب روح الفرقة، والصراع العربي-العربي بدل أن يكون هذا الصراع عربياً ضد الصهيونية. وحين استطاع ت دولة مثل سورية ومن المغرب مصر والجزائر ولاحقاً ليبيا أن تمتّن العلاقات مع الاتحاد السوفياتي (آنذاك) وأن ترفع العلاقات معه إلى مستوى التحالف وتوقيع معاهدات الصداقة دخلت سورية ومصر حرب تشرين التحريرية، وكسرت غطرسة كيان العدوان بهزيمة عسكرية تداركه فيها الغرب الإمبريالي حتى لا تنهدم البنية الداخلية لكيان الاستيطان برمّتها.‏

ورغم أن العرب لمسوا على أرض الميدان أهمية الحليف الصادق في انتصاره لقضايا الشعوب العادلة، واشتركوا برمزيات مختلفة في حرب تشرين محققين قومية المعركة ضد الصهيونية إلا أنهم حين أتت أوامر الغرب لعدم تمكين منهج المقاومة العربية من النصر باستثمار النتائج العظيمة لحرب تشرين التحريرية استداروا وعادوا إلى موقف التابع للغرب بأن أوراق الحل العادل لقضية العرب المركزية في فلسطين هي بأيدي الغرب الإمبريالي وأميركا حصراً وأن التحالف مع الاتحاد السوفياتي لن ينفع العرب وإسلامهم فالشيوعية ضد الدين. وانتقل شكل الكفاح العربي عند التابعين لأميركا إلى معاداة الشيوعية بدلاً من معاداة الصهيونية وذلك لخلق عدوّ وهمي يتلهّى العرب فيه وتُعطى الفرصة لكيان العدوان الصهيوني بأن يُرمّم حالته بعد حرب تشرين وهزيمته المدوّية فيها.‏

وقد رأينا كيف تحوّل الموقف العربي بعهد السادات إلى التّفريط بالحقوق المشروعة للعرب، وبالقضية الفلسطينية أيضاً. وعلى أثر هذا الموقف العربي التفريطي العميل؛ شكّل القائد الراحل المؤسس حافظ الأسد في منتصف العقد السابع من القرن الماضي جبهة الصمود والتصدي، وقطع الطريق على كامب ديفيد ونهج الخيانة الأعرابية لقضايا العرب العادلة. ومنذ ذلك الزمان أخذ شعبنا في فلسطين، والأراضي العربية المحتلة يُراقب السياسات الاستسلامية والتّصفوية لقضايا العرب العادلة، كما يراقب السياسات الحريصة على الصمود والتصدّي ونهج المقاومة. وحتى تخلق مرجعيات سايكس-بيكو المناخ الإقليمي المؤاتي لانتصار المشروع الصهيوني اعتبرت النضال الوطني التحرري لشعب فلسطين والأراضي العربية المحتلة بأنه إرهاب، وامتنعت دول الغرب المتصهين من عقد مؤتمر دولي لتحديد مفاهيم الإرهاب، والنضال الوطني التّحرّري ذلك المؤتمر الذي كان اقتراحاً للقائد المؤسس حافظ الأسد.‏

وقد سعى الغرب بالزعامة الأميركية ولاسيما بعد حقبة المتغيّرات الدولية وانهيار النظام الاشتراكي العالمي وغياب الاتحاد السوفياتي عام 1991م إلى الانفراد بحكم العالم كشرطي عالمي وحيد، وصار نظام القطب الواحد بزعامة أميركا هو الذي يتحكم بالإدارة العالمية، وافتُقد التوازن الدولي من القرار العالمي لتصبّ أميركا فائض جهدها في خدمة المشروع الصهيوني وتحطيم المشروع القومي العربي حتى لا يتمكن العرب من تجميع القوة، ومواجهة كيان العدوان كلما اعتدى عليهم. وحينما احتلّت أميركا العراق عام 2003م اعتقد الغرب وأميركا بأن سورية سوف تذعن لشروط الوضع الإقليمي الناتج عن احتلال العراق، وحينما أسفرت الأمور عن مساندة سورية مهمة للقوى الوطنية العراقية ما جعل العراق يطرد الاحتلال الأميركي، وتتحقق حالة عربية جديدة ينتصر فيها منهج المقاومة العربية على منهج العمالة والتفريط والاستسلام جاءت قصة الثورات المزعومة، والربيع الخراب حتى يتم تدمير المنظومة العروبية عند النظام الجمهوري العربي، وتنتصر منظومة ممالك الرمال ومشيخاتها التابعين للغرب، وهنا طُرحت فكرة جديدة لكي يتحول عدو العرب من الصهيونية وكيانها إلى إيران لأن الأعراب لديهم الجاهزية الدائمة للسير في ركاب الغرب، ومناصرة كيان العدوان الصهيوني باعتباره مع الغرب وأميركا ضامنين لعروش الأعراب المذكورين.‏

واليوم حين تصل الوقاحة في أميركا ترامب إلى طرح صفقة القرن على هذه الصورة التصفوية للحق العربي الفلسطيني هل لدى الأعراب القدرة على مراجعة موقفهم الذي أملته عليهم أميركا ليروا ..هل إيران هي التي ستعطي أرض فلسطين للصهيونية لكي تهوّدها أم أميركا والغرب المتصهين؟ ثم هل يسأل الأعراب أنفسهم عن نتائج عمالتهم لأميركا وإسرائيل بماذا عادت عليهم؟ وهل ستصل العقلانية بهم إلى إعادة النظر بما فعلوه مع سورية قلعة العروبة الصامدة؟ نعم ستكون في الحالة العربية تداعيات مهمة على ضوء صفقة القرن، وطالما أن سورية ما تزال على رأس المقاومين العرب فلن تمرّ الصفقة والمروّجون لها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية