بداية لانشك أن الإجابة الفورية تقول: هي عمل فردي يبدأ من الأسرة وينتهي أيضاً بالأسرة، ومن خلالها إلى الجامعات والمعاهد والمؤسسات المعنية بالأمر..
ليست المسألة أحجية أبداً، فالأسرة التي تعنى بأبنائها تعليماً وتثقيفاً ومتابعة تهيىء الجو الصحيح والحقيقي لهم ليكونوا فاعلين في مجتمعاتهم، وهؤلاء بدورهم- الأبناء- سوف ينقلون هذه الأجواء إلى أسرهم ذات يوم، وقبل ذلك يعيشونها في حيواتهم العملية.. ولكن ماذا عن دور المؤسسات في التنشة الثقافية..؟!
هذا كما أسلفت سؤال لانتنطح للإجابة عليه لأن الدور أكبر منا، والإجابة تحتاج إلى دراسات وورشات عمل حقيقية ونحن والحمد لله أبعد مانكون عنها، فليس لدينا مثل هذه الدراسات ولامراكزها التي تعنى بهذا الشأن.. ولكن لابأس أن نمر مرور الكرام على بعض المحطات لعلّ أحداً مايقرأ، يتابع، يرى يناقش أو يتذكر أن لدينا مؤسسات ثقافية هامة وعملاقة يجب أن نكون قادرين على تفعيلها والارتقاء بها، وهي هذه المؤسسات لم تبنَ لتكون صروحاً من حجر، أو لتزين الساحات والفراغ وإن كانت تضفي طابعاً جمالياً خارجياً، فمايهمنا هنا أن نفعّل الدور ونرتقي بالأداء، وسنكون ظالمين إذا قلنا إنها لاتقوم بدور هام ومتميز، ولكنه الأمل دائماً بأن نرقى للأفضل والأنقى..
وبالعودة إلى الثقافة كحالة فردية لابد من الإشارة إلى أنها سوف تصبح في المحصلة نتاجاً جماعياً هاماً، فالمبدع الموهوب لابدّ له من مؤسسات ترعاه وتأخذ بيده، لن تكون قادرة هذه المؤسسات على صنع موهبةما أبداً، لكنها قادرة على الكشف عن المواهب التي غالباً يطويها الزمن ويلفها الإهمال وتصبح في خبر الماضي.
فكم من موهبة اندثرت ودفنت لأنها لم تجد من ينميها ويفعّلها ويرتقي بأدائها ويصقلها لتصبح أكثر قدرة على الانتشار والعطاء..
وأيضاً كم من موهبة نشرتها المؤسسات المعنية وارتقت بها وهي تستحق ذلك، وإن كان بعضها أيضاً مجرد فقاعة حلّت مكان الأصيل..
بين الجهد الشخصي المدعوم بموهبة متميزة يأتي الدور المكمل للمؤسسات التي ترعى وتوجه وتنشر، لاتعقم، ولاتبدع لأحد إن لم يكن هو مبدعاً حقيقياً...
الثقافة ضاعت بين الطموح الفردي المبني على الطمع المادي في مهنة تدرّ مالاً وكسباً، لايهم كيفما كانت، وبين المؤسسات التي تعنى بالتربية والثقافية والتعليمية..
وخلاصة القول: إن المواهب التي تدفن وترحل ثروة حقيقية نحتاجها لأننا نبني الإنسان، وهو أغلى الثروات وأبقاها وأنبلها ولولاها ماكانت الحضارة، ولاتطورت الأوطان، الأمر لايحتاج إلا العمل والعمل وحده، التميز حق لكل مبدع، حق لكل من يبتكر، ومن حقه أن يجد المؤسسات التي تأخذ بيده وترتقي بأدائه، والثقافة بمعناها الواسع ليست شعراً ورواية وأدباً وفناً، بل هي محصلة العلوم والمعارف وهي سلوك وحياة وممارسة وفعل وعطاء، من هنا علينا أن نعيد النظر في الكثير من مناهجنا وغاياتنا وأهدافنا التربوية والتعليمية وأداء مؤسساتنا.
d.hasan09@gmail.com