ويترفهون بمقدار ما يجوع الأطفال وما يهدر من دماء الشهداء ..لا يردعهم ضمير ولا وازع ديني أو أخلاقي ..وإذا ما سألت عن الوازع الديني , تجدهم أول المتحدثين بالأخلاق والقيم ..وأول المدعين بأنهم ضد الفساد وضد الارتزاق .
هذا النوع من تجار الأزمة , يقابله نوع جديد من محللي الأزمة .. أو كما يسمون أنفسهم ..خبراء ..خبراء استراتيجيون ..خبراء اقتصاديون ..عسكريون ..ماليون ..وهكذا إلى آخر القائمة ..
لكن ..حتى أكون منصفة ..وحتى لا يذهب الصالح بالطالح ..هناك فعلا» خبراء ومحللون سياسيون على مستوى عال من الفهم والتحليل والثقافة ..وقد فوجئنا خلال هذه الأزمة أن هناك محللين سوريين رائعين ..وأن رؤيتهم للأحداث وقراءتهم للمستقبل أفضل بكثير من الذين نستوردهم ونهلل لهم ونخصص لهم مساحات كبيرة من الظهور ومن الوقت لينظّروا علينا وليبيعونا كلاما» نقلوه من صحف غربية ..أو من مواقع إلكترونية ..وهذا ليس عيبا» لكن العيب أننا لا نقرأ ولا نحلل وننتظر من الآخر أن يهجّي لنا حروف الواقع ..
وحقيقة الأمر ..أن الأزمة الرهيبة في سوريا التي أفرزت طبقة تجار الأزمة ..أفرزت طبقة مدعي الخبرة والتحليل الاستراتيجي والسياسي ..و ..و كل أنواع التحليل ..وصار لبعضهم مراكز وتوصيفات مثل رئيس مركز كذا ورئيس موقع كذا ...أو رئيس حزب أو تكتل , أو حركة .. وراح هؤلاء النجوم يتنقلون من شاشة إلى أخرى ومن حوار إلى آخر لدرجة أن المواطن السوري راح يعتقد أن هؤلاء الخبراء ينامون في التلفزيون السوري خاصة وأن ظاهرة المحللين ظاهرة جديدة علينا - نحن السوريين -ولكننا تعلقنا بها كما يتعلق الغريق بقشة , بعد أن وصلنا حد الغرق في الدماء وحد الغرق في الفتنة ..ولكن مع توالي الأيام تعودنا الألم ..واعتدنا الصبر والصمت ..وتهيأنا لحزن طويل على الرغم من بعض خبرائنا الأجلاء الذين يعدوننا كل يوم بوعد جديد .
صحيح أن السياسة متبدلة ..ومتحولة ..وصحيح أن الغرب يكذب كل يوم ..وأن أمراء النفط لا عهد لهم ولا ميثاق ..وأن الشعب العربي بمعظمه ليس أكثر من قطيع يقوده الجهل والعصبية القبلية والتبعية للغرب . ولكن أقسم لكم صار لدينا الخبرة الكافية لنعرف من هو المحلل الحقيقي لما يجري من أحداث وتغيرات ..ومن هو المحلل الزائف الذي طفا على سطح الأحداث مالئا» الوقت بكلام غير مترابط وغير مفهوم , مكررا» جملة من المصطلحات والمقولات الجاهزة ومدعيا» بأنه عالم ببواطن الأمور وخفايا القصور ..ولكثرة المحللين الذين صاروا نجوما» كنجوم السينما , اعتقد البعض أن التحليل السياسي صار مهنة مربحة ..وهو لا يحتاج إلا لبعض التنبؤات وبعض الجمل المرتبكة والمربكة التي لا يفهم المستمع منها شيئا» ..
المؤسف في الموضوع أن بعض الذين ينظّرون عبر الشاشات , والذين هم من المفترض أصحاب فكر وأصحاب رؤيا ويحملون القيم الاجتماعية والأخلاقية والوطنية , هم مثل تجار الأزمة ..صنعتهم الأحداث ..وضخّمهم الظهور المتكرر وحولهم إلى قامات سامقة , بينما هم في حقيقة الأمر ليسوا سوى شجيرات صغيرة نمت على ضفاف الأزمة .
بعضهم راح يتسلق ,,وبعضهم راح يطلب المناصب والمراتب ..وبعضهم عرف حده فوقف عنده .هل صار بعض المحللين بياعي كلام ؟
وهل صرنا من شدة البؤس ننتظر أي كلام ؟
( لمّعنا الكثير من الشخصيات العربية ) وأطلقنا عليها الأوصاف والألقاب ..وأهملنا الكثير من القامات الوطنية التي ناضلت بصمت وأعطت عمرها للوطن ..خلقنا نجوما» من بعض المدعين والزائفين والانتهازيين ..وأطفأنا نجوما» حقيقية ..وكأنه من الواجب علينا أن نعمل دائما» بالمثل القائل ( طبال الحي لا يطرب )
استضفنا أسماء عربية كبير ة فعلا» وعروبية فعلا» . ولكن بالمقابل استضفنا أسماء غير معروفة إلا في حارتها .وتناسينا أسماءنا الناصعة .مع ذلك ..الأزمة أفرزت كتابا» أوفياء وفنانين أوفياء ومحللين كبارا» وأفرزت أيضا» مدعين وانتهازيين وتجار كلام وقد آن الأوان ليتم الفرز ويتمّ التدقيق بالكرام واللئام ............وعليكم السلام .