لا نعتقد أن بمقدور الكثيرين أن يعوّلوا على التعرج الأميركي والصخب المرافق له، حتى لو كان يحلو للبعض أن يسميه انعطافة أو تريثاً أو تردداً بعد حديث الرئيس اوباما عن الاستعانة بالكونغرس لتنفيذ قراره بالعدوان على سورية، خصوصاً أن هذا التعرج وتلك الالتواءات في المعيار الأميركي لم تكن وليدة اللحظة التي قرر فيها الرئيس الأميركي أن يستعرض عضلاته الشخصية كما فعل سلفه.
وبالمقدار ذاته ليس من الحكمة البناء على التحليلات الافتراضية المرافقة التي طفت على السطح بعد قراره، باعتبار أن الرهان على الأميركي بهذا التوقيت وعلى السياسة الأميركية بهذا الأداء سيكون عبثاً سياسياً لا معنى له، ولا طائل منه وسط هذا التعرج.
لكن في الوقت ذاته فإن أحداً ممن أدمن الارتهان للقرار الأميركي لم يكن ينتظر أن يبادر الأميركي إلى الانكفاء، وقد أوصل الأمور إلى خواتيمها المحسومة وفق روزنامة المرتهنين السياسية، وعلى مقاس حساباتهم المنتظرة، وليس بينهم من كان مستعداً للمغامرة بهذا الاتجاه، وقد وضعوا كامل أوراقهم في سلة العدوان، وتحضروا طوال الأيام الماضية على وقع الصراخ والضجيج الذي ذهبت فيه الإدارة الأميركية إلى ما هو أبعد من الهاوية ذاتها.
وفيما المشهد يلوك اليوم الاستفاضة الأميركية في الحديث الممجوج عن ديمقراطية الرئيس غير السارة بالنسبة للأدوات والمرتزقة والحلفاء الباقين في السرب الأميركي فإن ألسنة الخيبة استطالت وجاءت من غير موقع باتجاه البحث عن الأسباب التي وقفت خلف قرار الرئيس أوباما الاحتماء بالكونغرس.
في فرضية الحسابات، كان الأميركي يجمع الأدلة التي يريد أن يبرهن من خلالها أنه لا يزال يقود العالم بعقلية الشرطي، ويحدد اتجاهات السياسة الدولية على وقع اهتزاز العصا المشهرة في وجه الشعوب والدول على حد سواء.
وفي المعادلات، كان يريد أن يثبت لنفسه أنه لا يزال قادراً على أخذ المشهد الدولي إلى الحلبة التي يختارها، توقيتاً ومصارعة، وأن ينتقي المصارعين على المقاس الأميركي، ووفق ابتهالات مرتزقته وأجرائه القادمين على بساط تمنياتهم وأوهامهم المتبقية من زمن التفرد الأميركي بالعالم.
على المقلب الآخر، كانت الانطباعات الأولية أن الأميركي قد أدركته ملامح التقاعد المبكر غير المحسوبة، وبالتالي احتاج إلى وقت طويل كي يحسم أمره باتجاه الركون إلى الزوايا المنسية التي قد يؤجل من خلالها إعلانه تنحيه عن التفرد بقيادة العالم، وهو يرى بأم العين كيف ينفضّ أقرب حلفائه عنه، ولم يبق معه إلا قلة من المرتزقة ومراهقي السياسة الفرنسيين
اليوم لا يكتفي شرطي العالم بإشهار صافراته والتلويح بعصاه الغليظة التي طالما كانت وسيلته لتنفيذ عدوانه، ولا يقف عند حدود استجداء الآخرين كي يمارسوا سياسة التصفير للخيارات، وصولاً إلى الهاوية التي يخطو على حافتها، وأن يصلوا إلى ما وصل إليه، بل يحاضر في الأخلاق والمعاهدات والمبادئ، وهو الوحيد في العالم الذي استخدم كل المحرمات، من النووي إلى الكيماوي.. مروراً بالنابالم، وليس انتهاء بالجرثومي واليورانيوم المنضب وغيره.
وفيما الغليان الإقليمي والعالمي يصل ذروته، كان التلويح الأميركي بعصا العدوان المؤجل أو المرحّل مؤقتاً نحو الكونغرس، يعني أنه يلعب في ربع الساعة الاخير قبل أن تسقط ورقة التوت، أو ما تبقى منها، حيث ينتظره موسم من العراء السياسي، حتى لو حاول أن يرتدي أو يتستر بعباءة الكونغرس.
a.ka667@yahoo.com