لطالما كان الوطن والتغني به وبأمجاده وببطولات أبنائه غرضاً روحياً قبل أن يكون غرضاً شعرياً, فتوارثنا شعراً خالداً جميلاً حزيناً حماسياً مفاخراً ....
وسيف المتنبي ما زال أصدق إنباءً من الكتب.
داخل حدود الوطن الجغرافية والمعنوية نقبل جميعنا الاختلاف, وربما الخلاف, في كل شيء.. قد نختلف حتى على معنى الوطن ومواصفاته, قد نختلف بطرق تعبيرنا عنه, وبطرق تعبيرنا عن ولائنا له.. لكن الوطن الحاضن لا يقبل خلافاً أو اختلافاً حين تحاول شفرة السكين رسم اشتهائها الملعون بلون دمه.
لطالما حلمت بالهجرة منذ طفولتي, لطالما رغبت بعيش الجمال والحرية في بلدان الغرب, لطالما سحرني شتاء أوربا وأنهارها, وطبائع شعوبها في العيش الحر والبعد عن (كراكيب ) الشرق وعقده, لكنني عرفت كم كنت كاذبة حين ابتعدت عن دمشق لأسبوع واحد في واحدة من أرقى عواصم الغرب!
أدركت كم كنت جاهلة حين حلقت الطائرة فوق معلولا ورأيت ثلج صخورها وجبالها.. وفوق بيوت دمشق.. أدركت كم أنا عاشقة حتى للفوضى وللازدحام في بلدي... أدركت كم أحب هذا الصغير الذي لا يتركني وإن حاولت تركه..
قد يحلق أديب في سماء الأدب العالمي.. قد تحتضنه عواصم الدنيا كلها.. قد يمضي معظم حياته متنقلاً بين شرق وغرب.. لكن (الخطوات الأولى على الأرض الأولى) تعيده ليطلب السكينة, ويقدم فروض الطاعة لأمه الأرض.. فإذا بالعالم كله يضيق عليه, ويطلب قطعة صغيرة من أرض الوطن لتضم جسده حين تقطع الروح تذكرة الذهاب!!
suzani@aloola.sy