تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


منازل الشعر والألم

معاً على الطريق
الاثنين 18-2-2013
أنيسة عبود

لم يكن ناقصاً كي تكتمل الصورة إلا أن يدحرجوا رأسك من المعرة إلى دمشق.

وكي تكتمل الصورة..‏

يوضع رأسك إلى جانب رأس الحسين فيتجدد الندب والدم والأسف على زمن وصلنا إليه وعلى شعب يحرق تاريخه ويجلس على رماده .‏

يا شاعر المعرة العظيم نعم قطعوا رأسك.. وربما ركلوه..بكى الجسد على القصائد التي راحت تدمدم وتشهق، وانحنت الريشة على الحروف التي انهمرت على الأرض من رأسك العبقري.. لكنك بقيت صامتاً هادئاً لم تتأوه ولم تصرخ..ولم تتحرك من مكانك.. هل كنت حزيناً منهم أم عليهم.‏

لا يوجد أعظم من العقل.. فاعذرهم.. ضيعوا العقل وضيعوا البصيرة.. وحدها سيوفهم تجول وتصول بين الحاضر والماضي.. لذلك لن يقفوا عند رأسك .. بل سينتقلون إلى رؤوس كثيرة.. سيجزونها ويشطرونها وهم يهللون معتقدين أنهم انتصروا فعلى من انتصروا؟‏

لا تحزن أبا العلاء قد يقطع الهمج رأسك، وقد تهدم الغوغاء سورك.. وقد يستحضرون (اللزوميات أو سقط الزند) ويتلون عليه حكم الرمي بالرصاص أو يقرون شنقه ورميه في نهر العاصي.. وقد يفتون بتعليق السحائب التي تحدثت عنها (فلا هطلت علي ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلاد) من رأسها وجرها إلى السلطان العثماني الجديد (لص حلب) كي تهطل على رأسه ليكبر حقده بعد أن ارتوى صلفه من دم شعبك.. لكن خفف من وطأة الحزن أيها الفيلسوف .. فالأجساد فانية والروح علي (فليس أديم الأرض إلا من هذه الأجساد) بينما المجد للفكر، المجد للكلمة.. ففي البدء كانت الكلمة.‏

عبقري أنت .. يا فيلسوف الشعراء .. ويا شاعر الفلاسفة.. لكن حدسك لم ينبئك عن زمن سيأتي على البلاد والعباد.. نحاكم الحجر والشجر.. ونعيد سيرة العرجون القديم.. نذبح بعضنا ونهدم بيوتنا ونقتل أخوتنا ونحرق بلادنا ونهتك أعراضنا.. ونتبرأ من مجدنا؟‏

هل كنت تعرف أيها المعري أن رأسك سيقطع بعد ألف عام؟ وأن دمك سيسيل بعد ألف عام؟‏

هل كنت تعرف أن العاصي سيبكي عليك بينما الشعراء والأدباء يقفون صامتين أو شامتين يصفقون للمشهد.. والمشهد جد أليم.. لكن الذي يروع أن دمك كان يسيل.. وكانت الأرض حولك تتلون بالأحمر القاني.. لكنك لم تذرف دمعة واحدة.. برغم الضجة.. وبرغم الصياح الذي انتظم البلاد.. أنت لم تكن حجراً ميتاً.. ولم تكن رأساً صامتاً.. أنت كنت تسمع؟ وكنت ترى المشهد؟‏

المشهد قاهر.. ووجهك كان مقهوراً مع ذلك فزعوا منك.. وخافوا من عينيك المغمضتين .. ارتبكوا من قصائدك التي راحت تمشي حولك .. أفزعتهم خطواتها.. وأفزعهم ثباتك فاحتموا بسواطيرهم وسيوفهم ثم انقضوا عليك وأنت ضرير جالس في فيء قصائدك.. تهاوى رأسك.. فتهاوى المشهد كله.‏

تدحرج الرأس.. فتدحرج الزمن.. صار العالم حولك بلا رأس وأطراف .. ماهذا المشهد المخيف؟ هربت الكتب، وسقطت أقلام الكتاب.. كل واحد فيهم تحسس رأسه .. وتلمس أفكاره.. مع ذلك صمتوا .. تفرجوا على رأسك المتدحرج كما تفرجوا على رأس الحسين وهو يتدحرج باتجاه الشام.. والشام أم الرؤوس المقطوعة والمذبوحة تبكي من المشهد وتحزن على المشهد.‏

خفف الوطء أيها الرأس المتدحرج لا يهم الشاة سلخها بعد ذبحها، وخفف من الأسئلة أيها القلم فبعض الأسئلة جارح وبعضها خطير أكثر من الرصاص وكثير من الأسئلة لابد منها كي نروي غليل المعرفة لماذا قطعوا رأس أبي العلاء؟ أي انتصار أن نقطع رأس شاعر من حجر بينما صوته يملأ الدنيا ويشغل الناس؟‏

رأس يتدحرج وسيوف تهلل ودم البلاد ينزف وقلوبنا تهطل.. يا رأس المعري.. هل أعزيك أم أعزي الزمان بنا.. أيها المعري المسجون في محبسيك.. لا تفتح عينك ولا ترى.. الأفضل ألا ترى الأفضل ألا نرى.. تسير الرؤوس إلى الأمام ونحن نرجع إلى الوراء ونصرخ وامعتصماه- لكن لا أحد يجيب.. هل قطعوا رأس المعتصم أيضاً؟؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 639
القراءات: 746
القراءات: 693
القراءات: 646
القراءات: 666
القراءات: 613
القراءات: 632
القراءات: 830
القراءات: 880
القراءات: 716
القراءات: 692
القراءات: 715
القراءات: 712
القراءات: 806
القراءات: 712
القراءات: 712
القراءات: 698
القراءات: 779
القراءات: 691
القراءات: 841
القراءات: 702
القراءات: 750
القراءات: 840
القراءات: 917
القراءات: 717

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية