وأول تلك المعاني التي حملتها رياح تشيني إلى القوقاز أن هذا الأخير لم يستطع خلال تنقله بين العاصمة الأذرية (باكو) والعاصمة الجورجية (تبليسي) طمأنة حلفاء بلاده في القوقاز بأن واشنطن باقية على عهدها في حمايتهم وحماية ثوراتهم (الملونة والبرتقالية) لأن هؤلاء أدركوا بالدليل الملموس أن أميركا لا يهمها إلا مصالحها ويمكن أن تتخلى عن أقرب حلفائها لأتفه الأسباب.
وثاني تلك الدلالات والمعاني أن الولايات المتحدة تحاول بعد خسارتها الكبرى في مستنقع أفغانستان ووقوعها في فخ العراق وورطتها الثالثة في القوقاز أن تخفف من حدة التوتر مع القوى العالمية الصاعدة مثل روسيا والصين مرة تحت ستار(الحرب الباردة) ومرة ثانية عبر توسيط الاتحاد الأوروبي بين جورجيا وروسيا لحل الأزمة بالطرق السلمية, وكل ذلك لأن واشنطن عرفت أن هيبتها انكسرت أمام العالم, وأن أحاديتها تتجه إلى الأفول والزوال وأن أي صدام حقيقي مع هذه القوى العظمى سيجعلها تخسر المزيد من قوتها وهيبتها ومصالحها وهو ما تحاول تلافيه في الوقت الحاضر.
أما الدلالة الأهم فتتلخص بمحاولات واشنطن الاطمئنان على مصالحها في القوقاز وتحقيق الأمن والسلامة لمعابر الطاقة التي تنقل لها النفط والغاز من هناك, ولكن حتى هذا الهدف أصبح بعيد المنال عن واشنطن وهو ما اعترفت به صحيفة هيرالد تريبيون مؤخراً بقولها: تحاول إدارة البيت الأبيض بناء خط لنقل الغاز من آسيا الوسطى يوازي خط باكو-تبليسي-جيهان إلا أن فرانك سترو مدير برنامج الطاقة في واشنطن يجد أنه من الصعوبة بمكان بناء مثل هذا الخط بعد الحرب الجورجية, وأن بلاده لم تستخلص الدروس والعبر من مشاريعها السابقة في الشرق الأوسط فقد كانت على موعد مع الفشل هنا والخسارة هناك(!!.
ahmadh@ureach.com