حرب لم تكتف بالرفض, بل أيضا بمحاولة الإلغاء , وبشتى السبل الممكنة , حتى تلك التي تدفع الشعب الفلسطيني إلى الجوع والعوز والحرمان عقابا على ديمقراطيتهم التي لم تكن كما أرادتها الشعارات الأميركية, ولم تكن كما خططت لها الدوائر الإسرائيلية .
وحين تبدو المسألة في نطاق الفهم لمعنى ان تقطع أوروبا والإدارة الأميركية المساعدات عن السلطة كمقدمة لتعلن إسرائيل وقف التعامل معها , ومقاطعة من يتعامل معها كنتيجة لفصول السياسية المقلوبة, حين ذاك, لا بد من التوقف , ولا بد من التساؤل, ولا بد من طرح الاحتمالات الممكنة للإجابة الضرورية. فقد شهد العالم كله تفاصيل الانقلاب على الديمقراطية, ويتابع اليوم فصول الرفض لها , ومشاهد العقاب عليها , والأخطرأساليب التأليب ضدها , ويشهد العالم كذلك مهازل الصراع على الفوز بسبق الوقوف في وجهها. إسرائيل التي لم ينفع تصعيدها العدواني في تغيير المعادلة , تلجأ إلى التصعيد السياسي متكئة على العقوبات الأميركية والأوروبية لتنفيذ تصعيدها السياسي هذا, وتضعها قاعدة للتعامل السياسي مع الدول والقوى الأخرى , ومع ذلك لم نسمع من يحتج أو يعترض .
بالتأكيد قلة أولئك الذين ينتظرون الاعتراض أو الاحتجاج ما دام المناخ السياسي معبأ بهذا الكم من المهاترات على نطاق كوني تتقاذفه مهازل الشعارات, وتتبادل الأدوار فيه مسرحيات من الكوميديا السياسية السوداء, وسط غيوم ملبدة من الانصياع الأعمى لمنطق يغالط كل شيء , ويخطىء في كل شيء . ورغم ذلك تبقى الأسئلة المطروحة أكبر من الإجابات مهما تكن تلك الإجابات , وتظل مشروعة رغم محاولة التطويق والنفي والإلغاء والتشكيك, وتظل حالة شاهدة على الانتكاسة التي يواجهها الفكر البشري .
وهذه المشروعية هي التي تعطي الرهان على الإرادة الفلسطينية بعدا آخر , وهي التي تفضي إلى ملامسة الواقع الفلسطيني من زاوية أخرى مغايرة, كانوا يريدونها أن تبقى مغيبة ومخفية.
وسط هذا التراكم من مفرزات الصراع, وذاك الوضوح لأدواته لم يعد المتاح مجرد وجهة نظر في الديمقراطية , ولا في شروطها , ولا في المعطيات التي تتيح التعاطي معها ,إنها جولة أخرى من مهزلة يريدون أن نكون الشهود فيها, و أحيانا المتفرجين, ولا بأس أن نكون الممثلين إنما بشروطهم , وحسب مقتضى الحال ..!