لكن لا مجال لنكران أن ارتفاعاً كبيراً عرفته هذه الأسعار. وإذا كنت أّغّلب الظن أن ما يقال ويتناقل عن ارتفاع أسعار العقارات يتجاوز الحقيقية, وربما بمسافة كبيرة, فإنني أعتقد أن سوق العقارات يعيش حالة من التسخين وربما الغليان, بما يتجاوز آثار العوامل المنطقية المتوفرة لحركة أسعار المساكن بهذا الاتجاه والى هذا المستوى. أعتمد على الظن والملاحظات والاستنتاجات -بكل أسف- لغياب الدراسات الفعلية الدقيقة التي تستطيع أن تقول الحقيقية حول واقع هذه الأسعار.
ما زالت العوامل التي أثرت في حركة أسعار المساكن نحو الارتفاع قائمة بمعظمها إن لم يكن كلها.. وسأستعرض بعضاً منه:
1- ما أسلفنا عنه من غياب مراكز البحث والتحليل ومؤسسات التحقق ومصادر المعلومات الدقيقة حول وضع السوق وبشكل عام ومنه سوق العقارات (المساكن).
2- رغبة أصحاب المدخرات الصغيرة في تحريك مدخراتهم لتهريبها من التضخم والاحتمالات المختلفة.
3- حالة من قلة الثقة بالسوق بشكل عام وهذه اللاثقة مازلنا نلمسها في مواقع ومفاصل عديدة في حياتنا الاقتصادية, لاحظ مثلاً كيف أسرع أصحاب المدخرات الصغيرة الى اقتناء العملات الأجنبية (الدولار بصورة رئيسية) لدى أول بادرة تراجع في سعر العملة المحليةوقد أدى ذلك لخسارة الكثيرين منهم.
4- الانخفاض النسبي في أسعار الفوائد البنكية, وعدم وجود حركة لتداول السندات وأسهم الشركات, وهو ما نحن في بداية الطريق إليه أعني توفر الأسهم وتنظيم تداولها.. وأعتقد أن تنشيط هذه الحركة سيخفف من الاندفاع لاقتناء المساكن والعقارات.
5- العرض والطلب.. بصراحة أنا لا أرى أن المساكن أقل بكثير من الحاجة.. هناك مساكن كثيرة.. وهناك عروض كثيرة.. لكنها عروض باردة أو أصحابها دائماً ينتظرون السعر الأفضل.. هذه الحالة تجعل الطلب الساخن يعبر عن نفسه أكثر من العرض, بما يساهم في ارتفاع أسعار المساكن.
6- تأخر الشركات الكبرى للاستثمار العقاري وبناء المساكن.. ولا شك أن هذه الهمهمات التي سمعنا عنها لشركات استثمار في بناء المساكن كثيرة وكبيرة, اقتصرت على الهمهمات لأن ثمة معيقاً حقيقياً أعاقها.. ولاشك أيضاً أن هذه الاعاقة لها علاقة بأمرين هما الفساد ورغبة قوى اقتصادية معينة المحافظة على سوق للمساكن متوتر.
7- محدودية مساهمة مشاريع الدولة الاسكانية في السوق. وهذه نقطة للتركيز.. فأنا أرى أن للدولة دوراً كبيراً في هذا المجال على أساس أن يكون تدخلها تدخل القادر الصادق بوعده, وليس كما جرى في يوم من الأيام في مشاريع الادخار من أجل السكن.
أنا أعتقد أن أمام الدولة فرصة استثمارية حقيقية لتوظيف بعض من الأموال فيها.. ويمكن أن تكون من أموال مؤسسات أوعية النقد.. ويمكن أن نشارك فيها ممولين خاصين.. وربما أنصح بهذه المشاركة ولو مقابل تقديمها الأرض مثلاً وتسهيلات أخرى.
وبالاضافة الى كونها فرصة للاستثمار حقيقية, تستفيد فيها الدولة من ثقة المواطن بمشاريعها رغم بعض الخيبات (الادخار من أجل السكن).. فهي الفرصة الأهم لإعادة الهدوء والتوازن الى سوق المساكن (العقارات).
فإذا كانت الدولة راغبة فعلاً في حالة توازن في هذا السوق يجب أن تعدل عن سياسة (التفرج) أو التدخلات بمشاريع محدودة خجولة. والسؤال:
لماذا توقفت المؤسسة العامة للاسكان عن مشاريعها?!
إذا كان السبب هو أن تكون مشاريعها بحدود إمكاناتها, فهذا جيد, رغم قناعتي أن امكانات الدولة ومؤسساتها أكبر من ذلك..?! أما إذا كان السبب غير ذلك.. فيجب فعلاً أن تعيد التفكير بالأمر فعلاً.
وفي كل الأحوال, وبقراءة مبسطة لمعطيات السوق وتطورات عملية الاستثمار في سورية ونشاطاتها, لا أرى أن أسعار المساكن الى ارتفاع مستمر..?! بل على العكس.. فإذا كان ما يتم تناقله عن حركة مضطردة في أسعار المساكن صحيحاً أخشى فعلاً من حالة انهيار ما في هذه الأسعار?! وإنعاشاً لذاكرتكم فإن هذه الأسعار لم تتجاوز بعد حالة الارتفاع التي وصلتها قبل 10 الى 15 سنة.. ثم انهارت وبسرعة.. ووصلت أسعار المساكن الى 50% مما كان قبل الانهيار. وأخشى من تكرار الظاهرة.