لن ندخل في تفاصيل الدوافع، ولا في خلفية الأسباب التي تدفع بهذا النفاق إلى أن يطفو على السطح، لكن ومن باب القرينة الحاضرة التي تجزم بدخول الموقف التركي عتبة الزوغان الكلي في عناوينه وتفاصيله، يظل الافتراء فاضحاً، كما يبقى الادعاء مفجعاً، وخصوصاً حين يكون متبجحاً ومتناقضاً حتى مع مفرداته.
بالمنطق ذاته يستمر أمراء المشيخات في اجترار ما تيسر لهم، أو ما تركه فتات السياسة على موائد غيرهم، حتى لو أن بعضهم حاول تحييد لغة النعاج لبعض الوقت، فعدوى النفاق تنسحب على الأدوات، ليس في الاستدارة السياسية المستحيلة، بل أيضا في تقاليد ما تقتضيه الاستجابة الفورية لأوامر العمليات المستعجلة.
يصعب على التحليل السياسي أن يجري محاكمته المنطقية، كما يصعب على العقل مجاراة النفاق، لكن ليس من العسير فهم الخلفيات، ولا التمييز بين نفاق المحترف .. وكالة وأصالة، وبين نفاق الأدوات.. ارتزاقاً وتبعية وخنوعاً ولهاثاً وراء استرضاء المشغلين لهم، ولاسيما حين يكون محاطا بكل هذه الشواهد المترامية الأطراف والاتجاهات من أقصى الغرب إلى آخر بقعة في الشرق.
وفي الحالين سياق واحد، مع فارق كبير في النتيجة.. فالغرب هو الغرب بأطماعه ومصالحه، وهواجس عدوانيته، ومحاكاته الدائمة فوق الطاولة وتحت الطاولة للرغبات الإسرائيلية لم يتغير، ولم نأمل منه غير ذلك، أما من استوطن.. في قلبه وعقله الهوى الإسرائيلي ، يصعب عليه أن يخرجه، وإن عاتب فعتاب على قدر المحبة، وإن نافق فنفاق في الوقت بدل الضائع، وهي تجربة فاشلة بامتياز لأن الاستدراك يبدو أصعب وربما أخطر.
ما فاتهم أن ما عجزوا عنه بالخديعة والتآمر لن ينالوه بالنفاق، وما عجزوا عنه عبر دعم المسلحين الإرهابيين، لن يحققوه بتسطير رسائل الوعيد الكاذب والتهديد الفارغ، ولا بتلك المقولات الخاطئة والمغلوطة، ولا بذلك الإمعان في الكذب والافتراء.
فنحن السوريين ندرك أنها قضيتنا وأنه قرارنا في شأننا الداخلي، وفي حوارنا ووضع حلول لما بيننا، وقد أثبتنا ذلك رغم هول الهجمة واتساع مساحة الحرب الكونية، كما هو في كل ما يخص حقوقنا ومقدراتنا، وما يتعلق بطريقة صد العدوان، ورد الصاع صاعين، سواء كان عدواناً مباشراً، أم عبر المرتزقة والأجراء، وحتى فيما هو أبعد من ذلك، ولنا في ذلك تجارب عديدة بل وموثقة، ولا نحتاج إلى الكثير للتذكير بها لأن هناك من يتعامل بذاكرة قاصرة وربما مبتورة، وبعضهم الآخر قد مسح ذاكرته كما مسح انتماءه ووجوده ,استغنى عنه ثمناً لقبوله أداة أو شبه أداة.
السوريون في عامين إلا قليلاً رسموا مشهداً لا يشبه غيره، وما بعده لا يماثل ما قبله في شيء، ووضعوا إحداثيات تتراكض خلفها وحولها الفرضيات، وفي ردهم لن يشبهوا أحداً ولا يتشابهون فيه مع أحد، حيث تتراكض أيضاً وتلهث وراءه التكهنات والتجمعات.
a.ka667@yahoo.com