بحرُ الصَّرفِ المتلاطم..!
بالقطع السوري الخميس 27-12-2012 علي محمود جديد حتى الآن لم نلمس أي تأثير على الأرض لإجراءات مصرف سورية المركزي حيال ارتفاع سعر صرف الدولار بمواجهة الليرة، فبعد ما يشبه الاحتقان في حقل الستين، شهدنا احتقاناً آخر في حقل السبعين، وتبعه ثالث عندما وصل الدولار إلى حقل الثمانين ليرة، حيث لم يمكث طويلاً ليقفز الآن إلى حقل التسعين.. داخلاً عالم المئة ليرة ..!
قد يكون مصرف سورية المركزي يتخذ إجراءات ربما تساهم في التهدئة والفرملة أكثر مما تتبع – هذه الإجراءات – طريقة الهجوم والتأثير السريع والمباشر، غير أن مثل هذه الإجراءات – إن وجدت – لم تعد كافية ولا مقنعة في ظل هذا الارتفاع الشاهق لسعر الدولار بالليرة السورية .
وعلى الرغم من كل ذلك ما يزال بإمكاننا المجازفة بالتوقع بأن مصرف سورية المركزي قادر على أن يفعل الكثير مع مجلس النقد والتسليف، ومجمل الفاعلين في مجال السياسة النقدية، وذلك على الأقل استناداً إلى تصريحات الحاكم المتعاقبة والتي كانت مثيرة للاطمئنان، وإن كان هذا الاطمئنان مضمون عند الحاكم بالفعل فنحن إذن أمام لغز كبير سببه تلك الهوّة السحيقة بين ما تُشير إليه تصريحات حاكم المصرف المركزي، وبين ما نراه فعلياً على الأرض وتُشير إليه بشكلٍ معاكس التغيرات المدهشة لأسعار الصرف.
المسألة ليست ( مزحة) فنسمعها ومن ثم نضحك ونمشي وكأن شيئاً لم يكن، على الرغم من قناعتنا بأن سعر الصرف هذا ليس عادياً ولا هو موضوعياً أكثر مما هو شاذّاً ومشوّهاً وناجماً في جانب كثير منه عن حالات نفسية عند الناس مشوبة بالقلق تفرضها الأحداث الشاذّة الجارية في سورية هذه الأيام، غير أن هذه الحالات النفسية من المفترض أن يكون لها علاج أيضاً، فهي بالنهاية مؤثرة جداً على حياة الناس ومستوى معيشتهم الآخذ بالهبوط، فإن كان حاكم المصرف المركزي ومجلس النقد والتسليف يدّخرون قراراتهم وتحركاتهم المؤثرة على السوق وسعر الصرف إلى أجل معين .. فهذا شيء رائع سنبقى بانتظاره مُكللين بالأمل والتفاؤل حتى وإن حلّقَ هذا السعر بارتفاعاته أكثر فأكثر، ولكن صار من الضروري وإلى حد كبير أن يضعنا الحاكم والمجلس – كمواطنين – بصورة ما يحصل، أو على الأقل بالملامح الواقعية المُطمئنة إن كانت موجودة، أما إن كان الحاكم والمجلس قد باشرا السباحة في بحر الصرف المتلاطم الأطراف ولم يعودا قادران على مثل هذه السباحة ولا تبريرها فعليهما أن يطلبا النجدة وبكل موضوعية والكف عن مثل هذه المخاطرة وإفساح المجال أمام من يجيد مثل هذه السباحة، والأمر ليس عيباً ولا تُهمة.. فالمخاطر جسيمة ولاسيما وأن الكثيرين منّا لا يرى أي مبرر للسماح لكل مواطن بشراء خمسة آلاف دولار، ولا يرى أي مبرر لإغلاق أبواب القروض بهذا الشكل اللامعقول الذي أوحى للناس بأن المصارف باتت تعجز عن الإقراض والأمر ليس كذلك، كما لا نرى مبرراً للمضي – في مثل هذه الظروف – بتحرير سعر الصرف وعدم تقييده والعودة إلى السعر الرسمي وقصة تعدد الأسعار ومنع تداول القطع بقوة وصرامة، والعودة حتى إلى العمل بقطع التصدير وما إلى ذلك، على الرغم من أننا لسنا – من حيث المبدأ – مع مثل هذه العودة إلى الوراء ولكننا في محنة، وعلينا أن نتلائم معها حتى وإن كان ذلك يقتضي العودة إلى الوراء مؤقتاً .
|