موقف تمثل بالاعلان عن دعم ما اسمي " المعارضة السورية " بـ ستين مليون دولار ، و تزويدهم بمعدات عسكرية وصفت بانها "غير قاتلة " و برر القرار بالقول انه اعتمد بغية تعزيز قدرات المسلحين لاقامة التوزان في الميدان السوري بما يضمن لهم ارجحية ما في المواجهة ضد الدولة.
لقد أثار الاعلان الغربي التساؤل حول حقيقة الموقف الغربي من مسار الازمة السورية الان ، خاصة و انه اوحى بتناقض و ازدواجية واضحة حيث تعلن الرغبة في حل سلمي من جهة و تتخذ القرارات التي توحي بتأجيج الصراع من جهة اخرى ، فما هو الاتجاه الحقيقي للموقف الغربي ؟
لمعرفة الاهداف و الغايات التي رمى القرار الاميركي الى تحقيقها لا بد لنا من اعادة التذكير اولاً بان ما يجري في سورية و ان كان في شق منه متعلق بمسألة داخلية و مطالب اصلاحية تخص السوريين ، فانه في شقه المدمر و العدواني لا علاقة له بسورية و لا بحقوق الشعب السوري المشروعة ، أو قريب و لا من بعيد و هو من طبيعة الاهداف الاميركية التي تتجه الى تدمير سورية و شطبها من الخريطة الاستراتيجية للمنطقة ان لم تستطع الحاقها بسياستها . تنفيذا لهذه السياسة كانت اعمال العنف و القتل و الارهاب و التدمير التي مارستها جماعات مسلحة في معظمها غريبة عن سورية ، حيث حشدت و زجت في الميدان لتنفيذ الاهداف الصهيو- اميركية ، جماعات ما كان لها ان تصل الى سورية لو لم تكن هناك خطط محكمة تديرها جهة قادرة و فاعلة بحجم اميركا ، اذ كيف لنا ان نصدق النجاح في تحشيد 120 الف مسلح وانتقالهم من 29 دولة في معظمها تابعة و خاضعة كليا للقرار الاميركي ، و وصولهم الى سورية عبر تركيا العضو في الحلف الاطلسي ، او الاردن المعروف بارتباطه وتبعيته للسياسة الاميركية، او عبر لبنان حيث يعمل فريق سياسي مرتبط بالسياسة الامريكية لتسهيل وصول الارهابيين عبر الحدود اللبنانية الى سورية . اما التمويل و التجهيز فالكل يعلم بان مصدره دول عربية لا تحرك ساكنا الا بقرار اميركي.
نذكر بهذا لننخلص الى القول بان اميركا لم تنتظر مرور سنتين حتى تقرر تسليح ما اسمته المعارضة السورية ، و تحشيد المرتزقة و الارهابيين للعمل ضد سورية و حكومتها الشرعية ، فاميركا تعتبر وفقا لكل المعايير القانونية و الشرعية و الاخلاقية هي المسؤولة عن عسكرة الساحة السورية ، و هي التي اعتمدت الارهاب طريقا لتحقيق اهدافها و النيل من النظام المقاوم القائم في سورية . و بالتالي فإن الاعلان الاخير لا يقدم جديدا من الناحية الميدانية و لا يغير في موازين القوى شيئاً، ثم ان من المضحك القول بالسلاح او التجهيزات غير القاتلة، لانه بالعرف القانوني و العسكري: يعتبر قاتلا و يلعب دورا في الجريمة كل وسيلة او اداة تمكن المجرم من تحضير جريمته و تنفيذها ثم تمكنه من الافلات من الملاحقة و التعقب او تحميه خلال التنفيذ و بعده ، و بالتالي تعتبر ادوات مسهلة للاجرام و الارهاب و ادوات اجرامية كل التجهيزات التي وعدت اميركا بتوفيرها للارهابيين من قبيل المناظير الليلية العاملة بالاشعة تحت الحمراء و السترات الواقية من الرصاص و العربات المدرعة و وسائل الاتصال المتطورة ، اذ ليست هذه الوسائل من اجل اعمال النزهة و الترفيه بل انها ادوات يحتاجها الارهابي لرفع مستوى احتمال نجاحه في اعداد عمليته الارهابية و تنفيذها ضد رجال الدولة و الابرياء المدنيين على السواء .
و بعد هذا التوضيح نعود الى السؤال بحثا عن سبب الاعلان الاميركي اليوم و القرار العلني بدعم المسلحين عسكريا و ماليا ، و هنا يقودنا البحث الى تحديد اهداف ثلاثة رمت اميركا الى تحقيقها من هذا الاعلان كالتالي :
1) تريد اميركا ان تتنصل من المسؤولية عن عمليات الارهاب التي جرت على الساحة السورية خلال نيف و سنتين ، و ان تقوم بعمل يشكل استكمالا لخطوة سبق و اتخذتها يوم صنفت ما يسمى " جبهة النصرة " تنظيما ارهابياً ، فجاء قرارها اليوم ليعلن انها حتى الان لم تنفذ اي عملية تجهيز و امداد للارهابيين بالسلاح ، لكنها ستفعل تحت سقف تجنب الاستعمال القاتل ، و هذا موقف لا يمكن ان يقنع عاقلا لان كل ما يساعد المجرم على جريمته يعتبر اداة جرمية ، ثم الا تعتبر اميركا سلوكها انتهاكا للقانون الدولي و تدخلاً غير مشروع في بلد ذي سيادة ، و من جهة اخرى كيف تعيب اميركا على دول معينة دعمها للمقاومة في وجه اسرائيل و تصنفها دولاً داعمة للارهاب ، بينما تقوم هي بدعم الارهابيين الذين يرتكبون الجرائم في بلد لا علاقة لهم به و هي تعلم ان نسبة 70% من الذين يحملون السلاح في سورية هم من غير السوريين .
2) تريد اميركا ان توجه رسالة دعم و احتضان للمجموعات المسلحة للقول بانها ما زالت معهم و تدعمهم و انها لم تتخل عنهم في الفترة الراهنة التي بدأت تحضر فيها لمفاوضات دولية من اجل تحضير البيئة للحل السلمي التفاوضي الذي يعمل على ارسائه في سورية ، و تخشى اميركا ان يتفرق جمع ارهابييها قبل انعقاد جلسات التفاوض فتفقد اوراقها التفاوضية الاساسية ، لاجل ذلك خصصت المرتزقة و الارهابيين و من اسمتهم بالمعارضة السورية ، خصصتهم بـ 60 مليون دولار و ووعدتهم : بالتجهيزات " غير القاتلة " و هي منحة اميركية لابقائهم ورقة حية فاعلة في يدها لاستعمالها في الوقت المناسب على طاولة التفاوض .
3) تريد اميركا ان توجه رسالة الى سورية للضغط عليها و على و محورها الاقليمي و جبهتها الدولية مفادها القول بانها لا زالت عاقدة العزم على دعم العمل المسلح و ان عدوانها لا زال قائما و انها لم تسلم بالهزيمة ، عمل تتوخى منه تفعيل موقعها التفاوضي و يتقاطع من جانب اخر مع ما ذكرناه من رغبتها في الاحتفاظ بورقة الارهابيين كورقة تفاوضية . كما انه يلتقي مع التسريب الاخير حول الزام الاردن بفتح معسكرات التدريب النوعي لعناصر ما يسمى "جيش سوري حر" ، من اجل استعمالها مستقبلا نواة للتدخل الاميركي في بنية االجيش العربي السوري كما و تعول عليها في لحظة معينة للعمل في محاور محددة داخل سورية بغية تحقيق انجاز ما في الميدان بعد ان تمكن الجيش العربي السوري من تحقيق انجازات هامة و مؤثرة بشكل اكيد على مسار العمليات خاصة في الاسبوعين الماضيين. حيث استمر في دفع الارهابيين في الخط الانحداري ما جعل اميركا تخشى ان تصل الى طاولة التفاوض دون ان يتبقى لها في الميدان ما تفاوض عليه .
و على ضوء ذلك لا نرى قيمة عسكرية و ميدانية حقيقية للاعلان عن القرار الاميركي بدعم المسلحين في سورية ، فالدعم كان قبل القرار و لا نتوقع ان يتوقف قبل ان تنتهي العملية التفاوضية التي بدء بالتحضير لها ، و رغم انه قرار يخرق كل قواعد القانون الدولي و الاخلاق و مبادئ الانسانية و سيادة الدول ، فانه لن يشكل عائقا مؤثرا امام التحضير للمفاوضات الدولية حول سورية رغم ما قد يسارع اليه البعض بالقول انه قد ينسف المرحلة التمهيدية الاعدادية للمفاوضات . خاصة وأن المطلع على طبيعة العمل السياسي و الاستراتيجي ، و كيفية ادارة القيادة الاميركية لسياستها الخارجية ، يدرك بان اميركا تعمل دائما و في حد ادنى على محورين و تراهن على حصانين ، هذا في العالم ، اما الان و في سورية فان اميركا لو كانت تثق و بمستوى معقول بامكانية تحقيق اهدافها عبر الارهاب في سورية ، لما كانت فتحت الباب او اطلقت اي اشارة برغبتها بالحل السلمي و لكنها ايضا لا تستطيع وفقا لفلسفتها السياسية ان توحي للخصم بان الحل السلمي – بعد العجز عن العسكري – هو السبيل الوحيد المتاح لها ، من اجل ذلك نراها و في الوقت الذي اعلنت فيه قرار الدعم و تسليح الارهابيين ، اعلنت عن اتفاق اميركي روسي عن تكثيف العمل بين وزارتي الخارجية في البلدين للبحث عن عناصر واقعية لحل الازمة السورية سلمياً ، ليكون الملف جاهزا في اخر الشهر الحالي امام بوتين و اوباما للسير به .
و في المحصلة نعود و نؤكد على ان العدوان على سورية اخفق و بات المعتدي على قناعة من ذلك و على قناعة من ان المخرج الذي يحفظ له ماء الوجه لن يكون الا سلمياً ، و ان تهيئة البيئة لهذا المخرج بدأت بشكل جدي لن يؤثر فيه معسكر يفتح هنا او مال يدفع من هناك او منظار ليلي او عربة مصفحة وعد الارهابيون باستلامها .
أستاذ جامعي وباحث استراتيجي