سؤال مَركزي يُوجهه كل منّا إلى ذاته بجدية وبشفافية، يَسأل فيه عن عدد الاجتماعات التي حضرها كفرد في مجموعة عمل، أو تلك التي عَقدها كرئيس لمجموعة عمل، أولاً وبشكل حصري، لجهة إنتاجيتها من عدمها، برأيه وتقديره.
إذا كان الاجتماع ضرورة للتفاعل، فُرصة تُتيح تداول الأفكار، والمُشاركة بصنع واتخاذ القرار، والمُساهمة بتحسين الحالة، والمُتابعة بهدف تقييم النتائج، الأمر الذي يُقدِّم للارتقاء إلى مُستويات أفضل بالعمل والإنتاج، فإنّ توجيه السؤال النَّقدي التقييمي للذات حول الاجتماع كفعل جماعي، يَمنح الحالة فُرصة إضافية لتَجويده ولإعطائه اهتماماً أكبر سيكون معها بالضرورة أكثر جدوى وإنتاجية.
بنتيجة السؤال الأول المُقترح طرحه على ذواتنا، يُعتقد أنه من الواقعية أن تَحمل الإجابات كل أشكال خيبات الأمل، ذلك أنّ الحصيلة العددية ستَصب باتجاه الاجتماعات عديمة الفائدة - أو قليلة الفائدة - بُمقابل عدد قليل من الاجتماعات المُفيدة المُنتجة، لماذا؟.
التَّباين الكبير - الافتراضي - لجهة النسبة المئوية للمُفيد من غير المُفيد من الاجتماعات، هل يُعزى لسبب يَتصل بواقع أن هذه الاجتماعات الكثيرة التي عَقدناها أو شاركنا فيها كانت بلا جدول أعمال، بلا عناوين مُحددة، بلا إدارة واعية، بلا تنظيم، وبلا آليات ضبط تَمنع الانحراف عن المسألة المَطروحة؟ أم لأن إرادة الخروج بنتائج نَعرف مُسبقاً أنها مُفتقدة؟ أم لأن تلك الاجتماعات بأصلها، نَعقدها اهتماماً بالشكل فقط، ولنَقول: اجتمعنا، وهذا يكفي؟!.
ليس من بين أهداف طرح مسألة الاجتماعات، المُفيد منها وغير المفيد، أن نُساهم بإشاعة أجواء الإحباط، لا التشاؤم ولا التفاؤل، ولا (التشاؤل) أيضاً، وإنما لمُحاولة وضع اليد على واقع نَغرق فيه جميعاً بلا طائل في أغلب الأحيان والحالات، ولمُحاولة النظر لها من زاوية أخرى، بدءاً من الاجتماعات الدورية الكلاسيكية التي نَعقدها مع بداية كل يوم عمل، أو تلك الأسبوعية، أو المُبرمج منها في دورات فصلية زمنية مُحددة مُسبقاً، أو تلك الاستثنائية التي يُدعى لها بشكل عاجل للإحاطة بتطور حصل أو طارئ وقع.
الأمم المتحدة تَعقد اجتماعات، مجلس الأمن، المُنظمات، الهيئات، الحكومات، البرلمانات، مجالس الإدارة في الشركات والمؤسسات والجمعيات، العائلات أيضاً تَعقد اجتماعات.. الخ، تَتَعدد العناوين، يَجري الإعداد والتحضير لها، تُنظم الدعوات للمشاركة والقاعات للاستضافة، يتم توفير الأدوات والتجهيزات اللازمة.. و.. و.. لكن تَبقى الغَلَبَة لغير المُفيد منها!! لماذا؟.
تلك إشكالية كُبرى، تَستهلكنا، تَستنزف وقتنا وطاقاتنا، تَترك انطباعات خطيرة لدى الجميع، المُشارك فيها - اجتماعات لا تَنتهي - والمَعني بنتائجها بالمقدار ذاته أحياناً، انتظاراً منها لتَنقلنا إلى حالة أخرى، لكنها لا تَنقلنا إلى ما نَظّرنا له، وانتَظرناه منها! لماذا؟ هل لذلك علاقة بسوء تَقدير الإمكانيات؟ أم لاتصاله برفع سقف الطموحات؟ أم لأننا نَتحدث عمّا نَحلم به حيناً، ونُبالغ بذلك أحياناً؟ ولنَبقى دائماً بَعيدين عن الموضوعية وهو ما يَجعلنا نقع بفخ الانفصال عن الواقع!.
إذا كان النظام العالمي مُختل التوازن بسبب الهيمنة الأميركية التي تَجعل اجتماعات الأمم المتحدة ومؤسساتها بلا فائدة ولا جدوى، وإذا مَثَّلَت سياسات النظام الرأسمالي المُتوحش أحد أسباب عدم بلوغ الاجتماعات الرسمية للحكومات وللتكتلات الدولية والإقليمية غاياتها السياسية أو التنموية، فما سبب إخفاق الاجتماعات ذات المُستويات الأخرى، أَقَلّها العائلية؟ وهل نَعقدها أصلاً إلا للوقوف على الحالة وكل حَيثياتها؟ سؤال تَحريضي، استفزازي، مُحَفِّز، سيَبقى مَطروحاً.