وطبيخ الرعيان هنا ظاهرة وليس نادرة, فقد يختصر بعض أصحاب القرار الإصلاح والتطوير معاً باستجلاب التقنية فحسب ثم يجتهد في تكييفها مع ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي في مؤسسته, لتتحول إلى زينة ومعرض, فيجهض دورها ويختصر كل وظائفها في واحدة, كالكمبيوتر الذي يتحول إلى آلة كاتبة فقط, حتى ليبدو الأمر للمراقب كما لو أنه محاولة لتربيع الدائرة أو تدوير المربع, أو حتى تفسير الماء بأنه ماء.
وقد يجتهد البعض الآخر منهم فيرى أن التطوير والإصلاح إنما هو تسريع وتائر العمل وتخفيف إجراءاته بجمعها جمع تكسير, فيخرج علينا في اليوم التالي بمشروع للنافذة الواحدة, تلك النافذة التي لم تختصر دورة العمل لدى أغلبية من اعتمدها إن لم نقل كلهم حتى الآن, بل صارت نافذة جديدة تضاف إلى جيش النوافذ الموجودة أصلاً في المؤسسات والدوائر.
وقد تتفتق لدى أحدهم أفكار الإصلاح والتحديث عبر الدمج بين الوزارات أو التفكيك بين المؤسسات دون النظر إلى طبيعة إنتاجها وشروطه الاجتماعية والثقافية, فلا تختلف لديه صناعة النسيج عن الغذاء عن الكتاب, ولأن أفكاره بطاطا في الغذاء, فإنها لا تذهب به إلى أبعد من الباذنجان والكوسا في غيرها من الصناعات, فيصير النسيج ترقيعاً, ولا إلى أبعد من البندورة والخيار في صناعة الكتاب فيصير الفكر لصقاً وتحزيماً وتلويناً, وتراه يتحدث عن ضغط النفقات على أنها ربح, وعن تحسين الإنتاج على أنه زيادة رقعة في الثوب المهلهل, وعن جودة الكتاب على أنها زيادة في وزنه وعدد أوراقه.
والأنكى من هذا وذاك, حين يفلسف أحدهم فشل التكنوقراط في التطوير والتحديث, ويستعين بباعة البسطة, فهؤلاء أقرب إلى السوق وأصواتهم فيه أمتع, والحكاية الاقتصادية كلها بالنسبة إليه... مدخلات ومخرجات ونقود تتدفق إلى الصندوق, وإلا فكيف يكون تحرير الأسواق, وكيف يكون السوق اجتماعياً إن لم نفصّله على مقاسات باعة البسطة.
المهمة صعبة ومضاعفة, إصلاح الطبيخ وتحديث الرعيان?!