تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عبرة ماقتي الفضة

معاً على الطريق
الاحد 18/9/2005
د. اسكندر لوقا

الإشادة بأسماء من أعطوا وطنهم سمعته المستدامة عبر التاريخ, عمل يجب أن يرقى إلى مستوى الالتزام بالواجب الوطني حيالهم.

هذه المعادلة, على بساطتها, لا أعتقد أنها تكلف أكثر من نفقات احتفاء متواضع بذكراهم كلما سنحت فرصة.‏‏

ففي تاريخ سورية القديم الكثير من الأمثلة التي تنطبق عليها المعادلة المشار إليها. كذلك فإن تاريخ سورية الحديث أيضاً يحفل بأمثلة لا تحصى, تستحق أن يشار إليها كلما سنحت فرصة.‏‏

أود أن (أسوّق) هذه القناعة في سياق الإشارة إلى اليوم السابع والعشرين من شهر أيلول الحالي, وهو يوم البدء باحتفالات إحياء ذكرى طبيبين سوريين استشهدا قبل 1700 عام هما قزما ودميان.‏‏

تقام الاحتفالات, عملاً بقرار مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في حلب, في كل من مدينة حلب ومدينة قورش الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة حلب وتبعد عنها مروراً ببلدة اعزاز حوالى 70 كم.‏‏

يروي التاريخ أن هذين الطبيبين قزما ودميان ولدا من أسرة مسيحية سورية حوالي منتصف القرن الثالث للميلاد في مدينة إيجه الواقعة في منطقة كيليكيا, ودرسا في مدينة قورش إلى أن تخرجا طبيبين. ولم يمضِ وقت طويل حتى عرفا باسم (ماقتي الفضة) وذلك لرفضهما تلقي أجراً من المرضى, وفي حال أجبرا على أخذه من مرضى أغنياء وزعاه على الفقراء.‏‏

وحين تتحدث المصادر التاريخية عن الديانة المسيحية, تتحدث عنهما بالقول إنهما لرفضهما تقديم الأضاحي للامبراطور ديوقلسيانوس ومن بعده لخلفه الامبراطور مكسيميانوس, فقد صدر حكم عليهما بالموت. وفي خريف العام ,303 في شهر أيلول, أوقفا بأمر من نائب الحاكم في مدينة قورش, وكان جزاء رفضهما الانصياع إلى رغبة الامبراطور مكسيميانوس, أن نفذ نائب الحاكم في مدينة قورش الحكم الصادر بحقهما, فجرى قطع رأسيهما وهما يصليان, وبذلك صارا يعرفان بالطبيبين السوريين شهيدي المسيحية في حين خسر المجتمع الروماني أشهر طبيبين في زمانهما كانا في خدمة أبنائه من الفقراء.‏‏

ويذكر أن المشاركين في إحياء ذكرى هذين الطبيبين السوريين القديسين, سوف يقومون برحلة حج جماعية إلى مدينة قورش وذلك في اليوم الخامس لبدء الاحتفال.‏‏

وبذلك تكون سورية المعاصرة, قد أضاءت مشعلاً ربما لم يكن معروفاً بين مشاعل أخرى سبق أن أضاءتها في مناسبات تكريم أبناء الوطن, في مجالات متعددة ثقافية وعلمية, التزاما منها باحتضان أصحاب الكفاءات الوطنية من جهة وحماية التراث من جهة أخرى.‏‏

ولعلنا لا نبالغ في قولنا بأن إلقاء الأضواء على المبدعين من أبناء الوطن وأصحاب الكفاءات منهم, هو بشكل أو بآخر, عنوان حضاري بحد ذاته, ولهذا الاعتبار ينبغي لنا أن نعيد قراءة تاريخ هؤلاء المبدعين وأصحاب الكفاءات, وأن نعرّف أبناءنا وأحفادنا بأعمالهم التي خلدت ذكراهم على مدى الأيام مهما بعدت عن الزمن الحاضر, بمثل هذه الاحتفالات المتواضعة, ليكونوا القدوة في مسيرة تطلع أبناء الأجيال الآتية إلى الأمام والأعلى.‏‏

ضمن هذه الرؤية, إذ أتوقف أمام حدث نيل الطبيبين السوريين قزما ودميان إكليل الشهادة دفاعاً عن رسالتهما في مواجهة الاضطهاد على عهد الأباطرة في الأزمنة الغابرة, لا أملك كما لا يملك أحدنا سوى الاعتداد بالنفس لانتمائه إلى وطن التضحيات عبر تاريخه الطويل, مزهواً بالسير على دروب العطاء ماقتاً للذهب والفضة, بل ممتلئاً فرحاً بالعطاء قبل الأخذ.‏‏

تعليقات الزوار

ســامر جعتول |    | 18/09/2005 13:30

يا رقيق التعابير و الافكار اليك تحية ولكل من لا ينسى تاريخه او يشوهه .

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 د . أسكتدر لوقا
د . أسكتدر لوقا

القراءات: 936
القراءات: 1289
القراءات: 1242
القراءات: 1184
القراءات: 1235
القراءات: 1356
القراءات: 1229
القراءات: 1277
القراءات: 1302
القراءات: 1696
القراءات: 1227
القراءات: 1212
القراءات: 1815
القراءات: 1214
القراءات: 1373
القراءات: 1250
القراءات: 1217
القراءات: 1428
القراءات: 1288
القراءات: 1282
القراءات: 1186
القراءات: 1318
القراءات: 5735
القراءات: 1272
القراءات: 1361

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية