وقبول في السر لم يسع أحدٌ لجعل واشنطن تقبل به،
بل هي من حرّض الانفصاليين في أربيل، وهي من زيّن لهم الحلم المُستحيل، وهي من يعرف أكثر من سواها أنه المستحيل، وسيبقى كذلك، إلى أن نجحت بتحويله إلى كابوس يستنزف ويشغل المنطقة.
الحقيقة الثانية رغم أهمية بُعدها القانوني والدستوري، لن نناقشها وندعها لأصحاب الشأن والاختصاص، لكن لا بد من الإشارة إلى أنّ من دعا للاستفتاء لا يمتلك رسمياً حق الدعوة له ولا اتخاذ إجراءاته ولا الإعلان عن نتائجه، لأنّ ثمة سلطات في أربيل مأزومة مُعطلة بحكم انتهاء ولاية رئيس الإقليم منذ آب 2015، وبالتالي فما بُني على باطل هو باطل قانونياً، أما سياسياً فقد حصل الانفصال وليس فقط الاستفتاء عليه.
المُهم الآن هو البحث في واقع أنه إذا كانت الولايات المتحدة تدرك أن لا حياة ستُكتب لمشروع الانفصال، فلأي هدف سعت بالتحريض على المُضي به؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ أربيل ما كانت لتمضي بالاستفتاء لو لم تُعط الضوء الأخضر أميركياً، حيث لن ينفع واشنطن نفي ذلك، ولا إعادة تأكيد موقفها الشكلي الرافض أو المُحذر، فالعالم يعرف الحقيقة من أنّ موقفها هو خلاف ما تُعلن.
الأهم ربما هو البحث بمقادير حماقة أربيل وحجم تورطها بالمشاريع الصهيو أميركية، وهي التي سيُسجَّل لها النجاح بعزل نفسها، وباستعداء المحيط من دون استثناءات، وبوضع الأكراد كمُكون شعبي في العراق ودول الجوار تحت المجهر الوطني بالعراق والدول المُجاورة اليوم وغداً.
لا يَخفى على أحد أنّ الاستنزاف والإشغال هو الهدف الأميركي الإسرائيلي الذي أُريد لاستفتاء الانفصال أن يُحققه في العراق وسورية وإيران، وحتى في تركيا التي لن يدوم حكم الأخوان فيها إلى ما لا نهاية مع اللص أردوغان أو مع سواه، فالنظرة الاحترازية الأميركية تُوجب إبقاء تركيا بحالة عدم استقرار، تخشى دوماً شبح التقسيم كي تستمر بأداء دورها الوظيفي كذراع للناتو يُبعدها عن البيئة المحيطة ولا يُدخلها النادي الغربي، وهذا أحد أشكال الاستنزاف والإشغال أيضاً.
الإجراءات العقابية التي بدأت تتدحرج من كل الاتجاهات قد تنجح بتأديب أربيل وبحملها على التراجع، غير أنها لن تكون كافية لتُبدد المخاوف المشروعة لدى الجميع بعد أن تكشّف الدور الخطير والمُدمر الذي تلعبه، إذ يقع في هذه الأثناء على المُكوّن الكردي، بنخبه وأحزابه، واجب فرز قيادات وطنية جديدة تُجنب الأكراد الوقوع بالفخ، فتُوفر على جميع الشركاء صراعات خاسرة، الرابح الوحيد فيها إسرائيل وأميركا.