بغض النظر عن التبريرات، وبعيداً عن النبرة العالية التي تعكس فراغاً أكثر ما تشير إلى الجدية، وتحديداً من التركي الذي كان شريكاً كامل الأوصاف ومكتمل المواصفات في كل ما يجري، وصولاً إلى المساهمة المباشرة في تفاقم الوضع وتورم الأوهام في بعض العقول، فإن ما يثير الأسئلة الصعبة والخطيرة اليوم هو تلك اللامبالاة التي تعكسها الكثير من المواقف الدولية التي تباينت وجهات نظرها وإن اتفقت على الرفض اللفظي للخطوة، والذي يؤسس لقبول لاحق لن يطول زمن الإفصاح عنه..!!
فالقضية ليست في اصطفاف سياسي تتبلور معطياته، ولا هي في سياق مشهد تتكرر مستنسخاته، ويعيد الذاكرة إلى ما قبل سايكس بيكو، مع فارق أساسي قد يفسر جزءاً من أحجية التوقيت في الإعلان عن الخطوة، حيث ترتبط بتقديرات لا علاقة للمكوّن الانفصالي بها ولا دور لسياسييه، بقدر ما يرتبط بجدوى المشروع وضرورته والحيثيات التي تبنى عليه، حيث المؤشرات السياسية كانت تنحو باتجاه الانكفاء السياسي للغرب والابتعاد عن الدخول إلى عنق الزجاجة مرة أخرى حتى لو تغير العنوان أو تبدلت المقاربة، خصوصاً بعد أن شعر بأن مشروعه القائم والمعوّل على الإرهاب قد أصيب بالشلل عملياً، وهو يتجه نحو السقوط على الأقل بشكله ومعطياته الحالية.
في مخاض المشروع التقسيمي الذي بدا عسيراً، كانت المؤشرات تنحو نحو حالة من الاستعجال التي فرضت إلى حد بعيد نظرة قاصرة تقاسمتها معظم الدول الإقليمية، أو متعمدة ومدروسة من الدول الغربية، التي لم نسمع صوتاً لها حيال كل الخطوات التمهيدية، التي أقدمت عليها بأجندة واضحة رغم الأصوات الخجولة، التي كانت تحذر أو كانت تؤكد على وحدة العراق من باب الحرج السياسي، وهي في مجملها للاستهلاك الدبلوماسي، وترافق ذلك بما يشبه التواطؤ المسكوت عنه في سياق اللعب بصفائح المنطقة المنزلقة ومكوناتها الإثنية والعرقية بعدما فشلت في إيجاد قواعد اشتباك تفرض نمطها الطائفي عبر المشروع الإرهابي.
مع هذا الفشل في تسويق الحالة الطائفية والعجز عن فرض هويتها على الصراع، خصوصاً بعد الانزلاق إلى صراع بيني داخل منظومة العدوان، وتشتت أدوات الضغط السياسي والتمويل الإرهابي إلى خطين متناقضين، برز البديل العرقي والإثني بلبوس مشروع يحمل بذور فنائه الواضحة رغم الضخ السياسي والإعلامي والدبلوماسي، الذي تورم وتضخم بمشاركة ومباركة دول إقليمية ودولية لا تستطيع تبرئة نفسها.
فالعلاقات الاقتصادية المفتوحة بين دول المنطقة وقادة الإقليم قبل الإقليم ذاته، والصفقات المشبوهة في النفط وغيره بين دول إقليمية وبوابات مفتوحة على التنظيمات الإرهابية ذاتها، كانت تشي بذلك من دون الأخذ بنتائجها وما أبرزته من فضائل إضافية للمشروع البديل، رغم المعرفة المسبقة بالدور الإسرائيلي الواضح، والعلاقات الوثيقة التي أسست لاحقاً لتكون قاعدة عمل وبنك معلومات إضافية لممرات بديلة لا تنفع معها لغة الصراخ التركي ولا تقدر على ملامسة عتبة الضغط، الذي يلوّح به من الناحية السياسية على الأقل.
الأخطر كان الموقف الباهت لدول تدرك حدود الكارثة التي تنتظر المنطقة، وبدت في أغلبها حمالة أوجه، وجميعها تقريباً مهمومة بمصير صفقاتها وعلاقاتها التجارية ومشاريعها في كردستان أكثر مما يهمها مصير المنطقة ودولها والمخاطر المحدقة بشعوبها، وهي تنزلق نحو صراعات متفجرة، لن يكون العالم برمته بمعزل عن تداعياتها ومخاطرها.
التثاؤب الدولي وبعض الإقليمي المر يكشف البعد الوظيفي في الخطوة التي أقدم عليها عتاة الانفصال، وتحديداً بجانبه الشخصي البحت، بعد أن فقد رئيس الإقليم مشروعيته الدستورية والقانونية، باعتباره البعد الأكثر ضرورة في سياق البحث عن بدائل الفشل في المشروع الإرهابي، وغياب مؤشرات المقدرة بالحفاظ على التنظيمات الإرهابية، وهو البعد الأخطر، الذي توكل إليه المهمات القذرة التي تعوز الغرب، ويحتاج فيها إلى منفذين يشبهون تلك المهمات، وأدوات تقتات في دورها الوظيفي على مثل تلك المهمات، في إطار التموضع داخل المشروع التقسيمي البديل.
a.ka667@yahoo.com