خصوصاً أن هذه السياسات أظهرتها بمظهر من تخلى لتوّه عن توجه كان اعتمده سابقاً وكان من السهل على المراقب أن يتلمّس فيه ما يشبه التعهد القاطع بعدم شنِّ حروب جديدة، وبالعمل على إطفاء الحروب السابقة، وبالتالي الانسحاب من أفغانستان والعراق، حتى إن نقاشاً واسعاً دار في واشنطن آنذاك حول إحداث تغيير في العقيدة القومية الأميركية لا بدّ أن يستتبعه تغيير حتمي في العقيدة العسكرية والقتالية.
ما الذي تغير؟ وما الذي دفع إدارة أوباما لإظهار انقلابها على ما بدأته؟ وما الذي جعلها تضغط مجدداً باتجاه نشر الدرع الصاروخية، وباتجاه العودة إلى العراق وإلى نشر قوات فيه، وباتجاه إرجاء الانسحاب من أفغانستان، وباتجاه فرض عقوبات على روسيا والتّحرش بها مباشرة عبر الخاصرة (أوكرانيا)، وباتجاه اختراع غول جديد للإرهاب (داعش) كنسخة مطورة عن (القاعدة)؟!.
ليس هناك ما يبرر انقلاب إدارة أوباما على ذاتها سوى أن فريقاً داخلها دفع إلى الواجهة مجدداً نظريات بريجنسكي والمحافظين الجدد، وسوى أنها خضعت لضغوط اللوبي الصهيوني الذي لم يرُق له أن تُبدِّل الولايات المتحدة عقيدتها القومية والعسكرية بعيداً عن رغباته وعن مصالح إسرائيل، أو بما يضرّ بها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
اليوم يمكن الحديث ببساطة عن انقلاب أميركي كامل قامت به إدارة أوباما على ذاتها، لكن هل اعتقدت هذه الإدارة للحظة أن الآخرين كل الآخرين وخصوصاً الذين يستهدفهم انقلابها لن يظهروا ردود فعل توازي حجم انقلابها الخطير الناجز والحاصل، وبأنهم سيكتفون بإظهار رد فعل شكلي سطحي وغير مؤثر؟ وهل توقعت من روسيا - مثلاً - أن تُعلن عن إجراء تغيير في عقيدتها العسكرية والقتالية التي أقرّتها في 2010 وكان مقرراً العمل بها لغاية 2020؟.
توقعت أم لم تتوقع الإدارة الأميركية ردّ الفعل الروسي وغير الروسي على المستويين الدولي والإقليمي ليس مهماً، فالمهم الآن أنها تضع بانقلابها على نفسها وبحماقاتها وعدوانيتها العالم على مفترق خطير جداً قد لا تجدي معه أي تغييرات تُجرى في العقائد القومية للدول، ولا حتى بالعقائد العسكرية والقتالية.. ليبقى السؤال المُرّ مطروحاً حول العقائد القومية والعسكرية والقتالية المعتمدة لدى أعراب الخليج والملتحقين بهم، هل ستتغير؟ وهل هي موجودة أصلاً؟ أم إنها مُتحول بالقبضة الأميركية - الإسرائيلية تُوجهه حيناً لاستهداف العراق وحيناً آخر لاستهداف سورية، ومرة للتصويب على فلسطين وأخرى على إيران؟!.