والذين لا يزالون يعتقدون أن ثمة غرفة عمليات مركزية واحدة تدير قطاعات العمل والانتاج والادارة, وبكل ما يتصل بهذه القطاعات من حيث اتخاذ القرار ورسم الهوية وتحديد الاتجاه, ولأنهم كذلك فإنهم لا يزالون يراوحون في أمكنتهم, لا لأنهم ليسوا الأنسب لها أو لا تليق هي بهم, ولا لأنهم لا يدركون ضرورات التغيير اصلاحاً وتحديثاً, بل لأنهم لا يزالون ينتظرون ما ستفعله الدولة,ولا يزال في أذهانهم نموذج غرفة العمليات تلك وقراراتها!!
والدولة بالنسبة الى هؤلاء هم رؤساؤهم المباشرون, وأي مبادرة أو توجه يحتاج الى قرار منهم وإلا فالحال متعطل والإصلاح في إجازة. وينطبق هذا أيضاً على الناس عموماً, الذين بدورهم ينتظرون الدولة وقراراتها, فلا عمل إلا بقرار خطي ومسجل أصولاً ولا مبادرة إلا بتوجيه ومتابعة, ثمة خوف مرضي من الخطأ بات متأصلاً لديهم, وهو بالنسبة إليهم لم يعد معياراً للعمل والمحاولة بل ذريعة للإساءة لهم وإهمالهم, بل وعزلهم, ولذلك لا داعي للمبادرة, والأفضل أن ينتظروا.. ما ستفعله الدولة, فإن أخطؤوا فبتوجيه منها (أي من رؤسائهم), وإن أصابوا فبابداعهم وجرأتهم!
يحدث هذا على مختلف مستويات المسؤولية, ويتفاقم حيث يصر بعض من المديرين على حصر معظم الصلاحيات بأيديهم من الاجازات الإدارية للعاملين وحتى صفقات البيع والشراء بالملايين, ما يعني أن المركزية لم تعد في أذهانهم نموذجاً لجهار إدارة وتحكم, بقدر ما هي نمط في التفكير مستوطن في الذهن, ينحو الى السلبية طلباً للحماية والخلاص, ويناهض الايجابية بوصفها مدخلاً محتملاً لخطأ قاتل.
إن إعادة تركيب نمط جديد من التفكير يقوم على المبادرة والتوجه الحر في العمل والإنتاج بات يستدعي بالضرورة تفكيك الأنماط المتراكمة التي اعتدناها لعقود وسنين, وبات يشترط بالتالي جملة جديدة من المعايير والمقاييس, نكرسها بالتجربة ونوطنها بكثير من النماذج التي يبادر إليها المديرون أولاً ويتحولون من خلالها الى نماذج للقياس والاعتبار أمام مرؤوسيهم.