وإذا كان الغرب مجتمعاً قد سجل - بعد أكثر من عشر سنوات من المماحكة والتهديد - تحولاً باتجاه الحوار مع إيران بدلاً من التناحر معها كقوة إقليمية تمتلك من أسباب القوة ما يؤهلها للعب دور إقليمي ودولي مهم، فلماذا يعزل آل سعود أنفسهم عن العالم بالتعبير عن موقف يكاد يتطابق مع موقف الكيان الاسرائيلي، وما الذي يمنعهم عن إظهار التباين في الموقف مع هذا الكيان الإرهابي؟.
موقف إسرائيل الهيستيري يكاد يكون مفهوماً انطلاقاً من أن إيران تلعب دوراً مهماً ضدها بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين والمقاومة اللبنانية وسورية؛ وليس انطلاقاً مما كان يلفق لها من أنها تسعى لامتلاك السلاح النووي، لكن على أي قاعدة يمكن للمرء أن يفهم الموقف «الوهابي السعودي»؟.
قال سعوديون: إن النوم سيجافي المنطقة بعد الاتفاق النووي الغربي الإيراني، وهدد آخرون بأن المملكة ستتحرك، وعبر بيان الرياض الرسمي عن مخاوف وتحفظات، فما الذي تبحث عنه الرياض، وما الذي تخشاه إذا كانت المنطقة تتسع للجميع؛ وإذا كانت المنطقة تستوعب أدوار الجميع وتحتاجهم مجتمعين؟.
لا شيء يبرر لمملكة آل سعود اعتراضها والجنون الذي اعتراها سوى أنها اكتشفت أنه لا مكان لها في المرحلة الحالية التي تجري فيها مراجعة تاريخية للعلاقات الدولية التي من شأنها أن تعيد ترتيب المسرح الدولي والإقليمي بناء على أسس وقواعد جديدة تأخذ بالاعتبار ما تمتلكه الدول من عناصر قوة حقيقية لا تمتلك «السعودية» منها شيئاً غير تبعيتها لأميركا.
منذ البداية كان واضحاً أن المشكلة مع إيران ليست في النووي، ومنذ البداية كان واضحاً أن الأمر يتعلق بإسرائيل وأمنها، ومنذ البداية كان واضحاً أن القصة تتعلق بالمشروع السياسي الايراني الذي انقلب على الشاه كأداة للغرب واسرائيل؛ وبالتالي كان الغرب يبحث عن إسقاط الثورة الايرانية واغتيالها واستعادة ايران الأداة، وقد فشل؛ ووصل مرغماً الى حتمية التصالح مع الواقع والاعتراف بطهران قوة اقليمية ونووية وعلمية واقتصادية لا يمكن تجاهلها؛ ولا يمكن لاستمرار التصادم معها أن يؤدي الى نتيجة.
وإذا كانت مملكة آل سعود تخشى من أن الدور الذي ستلعبه طهران في المنطقة قد يلغيها، فعليها أن تبحث عن مكانها قبل دورها الهدام الذي كانت تلعبه، وعليها أن تسعى لانتزاع دور ما غير دور العمالة القذر الذي لعبته تاريخيا، واذا عجزت، فعليها أن تتكيف مع الحقائق الجديدة التي يحاول سيدها الأميركي التكيف معها؛ وإلا فإن طوفان الإرهاب والفتنة الذي تغذيه لن يوفرها، فضلاً عن أن الأميركي ذاته الحريص على مصالحه في الخليج لن يتمسك بآل سعود؛ ولن يعدم الوسيلة لاستبدالهم واعادة ترتيب البيت الخليجي على أسس جاهلية أخرى قد تكون معاصرة هذه المرة !!.