تطل.. والوجع العربي يمتد وقد ابتلع ما تبقى أو ما يمكن أن يتبقى منها على قارعة الذكرى، التي أرادت ولا تزال أن يكون للأرض العربية حضورها ورمزية التمسك بها، بعد أن تحوّلت دويلاتها ومشيخاتها وإمارات النفط إلى بازار في السياسة، وسوق في المقايضة الرخيصة على الأمة والحقوق.
لم يعد الفلسطينيون وحدهم الذين يحتاجون إلى تخصيص يوم للاحتفاء بالأرض، وقد باتت الأرض العربية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، غريبة على الوجوه القابعة فوقها، وتعاني ما تعانيه الأرض الفلسطينية من محاولة للتهويد، ليس عبر مصادرتها كتراب وهوية، وإنما أيضاً باستلاب قرارها ودورها وموقعها وانتمائها، وصولاً إلى إسكات لغة العربية فيها.
ولم يعد الفلسطينيون وحدهم المنسيين من أشقائهم العرب في يوم الأرض، وقد انضم إليهم العرب جميعاً، وباتوا منسيين في أوطانهم وأرضهم وغريبين عن قرارهم وسيادتهم، التي صادرتها مشيخات وإمارات ومماليك، وارتهنتهم ليكونوا رقماً يضاف إلى دولاراتها في بازار المتاجرة وسوق النخاسة الجديد.
الفارق أن الفلسطينيين حددوا يوماً للاحتفاء بذكرى الأرض وما زالوا متمسكين به رغم قسوة الاحتلال ومعاناة التهويد وفظاعة ما يرتكبه، ورغم أن الأعراب لم يعنها يوماً ولا هو في ذاكرتها إلا بمقدار ما يبعد الفلسطينيين عن قضيتهم، فيما العرب الآخرون لم تتح لهم الفرصة، كي يحاكوا الحال ذاته وقد جاء من استباح أرضهم، ومن تكلم باسمهم من فوق ترابها.
قد تستطيع الأرض العربية على امتداد حضورها المترامي من المحيط إلى الخليج، أن تتكلم بكل اللغات.. وحدها اللغة العربية تبدو متعثرة وصعبة على النطق، وفي أحيان كثيرة ممنوعة من التداول على الألسن، أو من المحظور التعامل بها.
في يومها المنسي، في الزوايا المهملة على لائحة الأجندات العربية، لم تعد الأرض العربية تتكلم «عربي»، ولا تستطيع أن تتحدّث بما يساورها من هواجس وهموم ومخاوف على مصيرها بعد أن جاورتها ألسن ولاكتها لهجات لا علاقة لها بالعرب ولا بالعروبة.
كان من الصعب على الذاكرة العربية أن يأتي يوم الأرض والحال العربي يعلن طلاقه مع العرب والعروبة، ويقف متصيداً في الماء العكر بما تبقّى من شوائب عالقة أو ما تخفّى من شظايا لم تطلها يد التهويد حتى باتت غريبة على وجودها وعلى الألسن التي تتحدّث فوقها وبجانبها، وربما باسمها، تاركة خلفها ندوباً يصعب على الوجدان العربي أن يتعافى منها، ولا يبدو أنه قادر على ذلك في المدى المنظور.
ما تحتاجه الأرض العربية ليس يوماً واحداً في السنة، وهي التي لا تكفيها أيام السنة كلها، ولم تعد فقط بحاجة إلى الاحتفاء برمزية الأرض وما تعنيه، بل تمتدّ إلى إعادة التذكير بالأبجديات الأولى، وبالمسلمات والبديهيات التي ضاعت وتضيع في زحمة الاقتتال بين الأعراب على تزعم أدوار الخدمة للإسرائيلي والأميركي وبالمجان.
في يوم الأرض يستطيع الفلسطيني أن يقف على ما تبقى فيها من أطلال، وأن يتمسّك بما تعنيه من رمزية، فيما العرب يعزّ عليهم ذلك وقد حرمتهم مشيخات النفط حتى من الأطلال، وحالت بينهم وبين كل ما يمكن أن ترمز إليه الأرض والعروبة والقومية، ولسان حالهم.. هل ما زالت بعض الأرض العربية قادرة أن تتكلم «عربي» ؟!
a.ka667@yahoo.com