في تجربة اليوم تقدم ما هو أبعد من الكذب ليكون خلطاً، حيث لم يعد التضليل حكراً على الإعلام، ولم تكن عدواه فقط في السياسة، بل أيضاً يصل إلى منابر الأمم المتحدة وينزلق على ألسنة مسؤوليها!!
ويصبح الخلط هو الممر الذي يوصل إلى النتيجة ذاتها، حين تتجاهل تلك المنابر الحقائق والمعطيات وتتعاطى باللغة ذاتها التي يسوقها إعلام الكذب!!
وإذا كانت ثمة تبريرات وأحياناً ذرائع لتلمس الفوارق الهائلة بين الواقع وبين الرسم الافتراضي الذي يتحوّل إلى مادة لكثير من المصطادين في الماء العكر، فإن اعتمادها من قبل بعض المنظمات يطرح إشكالية من الصعب تبرئة معديها، خصوصاً حين يتعمّدون بشكل مباشر توظيفها في الضغط السياسي الذي يتمّ بالتوازي مع النفير الإرهابي والهستيريا السياسية اللذان دفعا بوزيرة الخارجية الأميركية إلى الخلط ذاته حين اضطر الناطق باسم البنتاغون إلى نفي ما تحدثت به.
وحين يكون هذا الخلط هو المادة المعتمدة في التقارير الأممية كما هو في المواقف السياسية، فإن الأمر يحتاج إلى أكثر من وقفة تأمل ونحن نرى هذا الاجتياح المتعمّد غير المسبوق للمنطق والوقائع، ويصرّ على اجترار الكذب ذاته وبالأسلوب نفسه.
فوجود المراقبين كان يقتضي عملياً الوصول إلى معطيات تخرج من عباءة التضليل الإعلامي وتكون قادرة على ملامسة الواقع بحكم ما عاينوه، والأخطر أنّ التوصيف السياسي للحالة اجتاح السياسة كما اجتاح الإعلام وصولاً إلى التقارير الأممية، وكأن تعميماً صارماً صدر بالأمر.
واللافت أن رئيس بعثة المراقبين حين رفض الدخول في هذه المزايدات، لم تتردد قنوات الكذب في تقويله ما لم يقل، واضطر نائبه إلى نفي الواقعة والحديث من أساسه، في حين كانت أميركا تسارع إلى تعميمه ليكون العنوان الجديد لحالة الاستهداف.
لكن إذا كان مفهوماً مبررات الكذب الأميركي ودخوله منذ البداية لعبة الفبركات الإعلامية والسياسية المشهورة بتضليلها منذ غزو العراق، فإنه يبدو لافتاً أن يستدرج معه بعض مسؤولي الأمم المتحدة في السياق ذاته، وأن يكون الدرك ذاته موطئاً، وربما موضعاً لتلك الأكاذيب، فإن هذا ما لا يمكن السكوت عنه، لأن عواقب الكذب الأميركي ما زالت تداعياتها حاضرة حتى اليوم، فكيف بالأمر إذا كان من مسؤولين في الأمم المتحدة؟!!
إن النقاش الدائر في حيثيات وكواليس ما يجري يطرح أكثر من تساؤل، وقد يفرض أيضاً أكثر من إجابة، لكنه في نهاية المطاف يقود إلى الحصيلة ذاتها، لأن الكذب الأميركي الفاضح وعلى لسان السيدة كلينتون، يستدرج كذباً أخطر في التقارير الأممية، حيث سيكون الحلقة الوسيطة الجديدة لكذب أميركي آخر يعتمد هذه التقارير المبنية على كذبه هو.. وبالتالي يصبح الكذب في التقرير الأممي غطاء لتبرير الكذب الأميركي القادم.
لم نعد نستغرب شيئاً في عالم افتقد لكل ما يعتمد المنطق والعقل، وبات الخلط والكذب والتضليل أداته ووسيلته للنيل والاستهداف.. لكننا في الوقت ذاته ندرك أنه مرّ ذات يوم، لكنه من الصعب والعسير أن يمر ثانية،.. وكما فشلوا في غيره.. فإنهم كذلك اليوم، سواء حملوه هم أم حمّلوه للتقارير الأممية!!
a-k-67@maktoob.com